أثارت قضية تصديرالكلاب للخارج جدلّا واسعّا للرأي العام خلال الأيام القليلة الماضية، بالرغم من أنّ وزارة الزراعة خرجت لتنفي القرار، مُفيدةً بأنها لا تنوي مطلقا تصدير الكلاب، القرار الذي لم يتخذه البعض من زاوية الإنسانية فقط بل تحليله وتحريمه له دور كبير، خاصة وأنّ الجميع يعلم جيدّا أنّ لحم الكلاب محرم، ولذا فبناءً عليه لا يمكن تصديرهم لتناول لحومهم وإلّا فإنّنا سنصبح مشاركين في الحرمة.
وخرج اليوم، مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، في بيان له، تناول فيه الحكم الشرعى لأكل لحم الكلب، مستعرضا آراء الفقهاء وما استقروا عليه .
وأوضح البيان، أنه من بديع تشريعات الإسلام أنها جاءت متوافقة مع فطرة الناس، كما أنها اعتبرت المنافع، ووضعت كل شيء في موضعه اللائق حتى يقوم كل ساكن ومتحرك في الكون بدوره الذي أُنيط به، وهداه الخالق سبحانه إليه، قال تعالى: {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ} [سورة طه: 49- 50].
وبناءً على ذلك، وردًا على ما قد أُثير من فتوى تبيح أكل الكلاب، أوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية حكم أكلها في الشريعة الإسلامية، ويبين ذلك من خلال ما نقل عن المذاهب الفقهية الأربعة التي تلقتها الأمة بالقبول.
وأشار المركز، إلى أن فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة اتفقوا على حرمة أكل لحم الكلب، وهو الراجح عند المالكية؛ لأنها من السِّباع التي وَرَدَ بشأنِ أكلِها قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ ذِي نَابٍ من السباع حَرَامٌ» [صحيح مُسْلِمٌ، 1933، (3/ 1534)].
الأحناف
وأكد أنه فى المذهب الحنفى نجد الإمام الكاساني رحمه الله يقول: "وأما الْمُسْتَأْنِسُ مِنْ السِّبَاعِ وَهُوَ الْكَلْبُ وَالسِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ فَلَا يَحِلُّ. [بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للإمام الكاساني، (5/ 39)]. ويؤكد فقهاء الأحناف على حرمة أكل لحم الكلب، فيقول الإمام عبد الله بن محمود الموصلي رحمه الله في فصل مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ: وَفِي الْحَدِيثِ: «نَهَى عَنْ أَكْلِ الْخَطْفَةِ وَالنُّهْبَةِ وَالْمُجَثَّمَةِ»، فَالْخَطْفَةُ: الَّتِي تَخْتَطِفُ فِي الْهَوَاءِ كَالْبَازِيِّ وَنَحْوِهِ، وَالنُّهْبَةُ: الَّذِي يَنْتَهِبُ عَلَى الْأَرْضِ كَالذِّئْبِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِهِ، وَالْمُجَثَّمَةُ: فَقَدْ رُوِيَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، فَبِالْفَتْحِ كُلُّ صَيْدٍ جَثَمَ عَلَيْهِ الْكَلْبُ حَتَّى مَاتَ غَمًّا، وَبِالْكَسْرِ كُلُّ حَيَوَانٍ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَجْثُمَ عَلَى الصَّيْدِ كَالذِّئْبِ وَالْكَلْبِ. [الاختيار لتعليل المختار، للإمام/ عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي البلدحي، (5/ 39)].
الشافعية
وعند الشافعية، نجد الإمام الخطيب الشربيني يُعلق على قول الإمام النووي رحمه الله: (وَيَحْرُمُ بَغْلٌ، وَحِمَارٌ أَهْلِيٌّ، وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ)، فيقول: وَمِنْ ذِى النَّابِ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْفَهْدُ. [مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للإمام/ الخطيب الشربيني، (6/ 149، 150)].
الحنابلة
وأضاف:"فى المذهب الحنبلي، نجد ما يؤكد على تحريم أكل لحم الكلب، حيث يشرح الإمام ابن مفلح كتاب المقنع للإمام ابن قدامة، فيقول تحت عنوان تَحْرِيمُ مَا لَهُ نَابٌ: وَمَا لَهُ نَابٌ يَفْرِسُ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ كَالْأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالذِّئْبِ، وَالْفَهْدِ، وَالْكَلْبِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيُّ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ من السباع» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ ذِي نَابٍ من السباع حَرَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ يَخُصُّ بِهِ عُمُومَ الْآيَاتِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَسَدُ وَنَحْوُهُ. [المبدع في شرح المقنع، للإمام/ ابن مفلح، (8/ 4، 5)]".
المالكية
أما المالكية، ففى أكل لحم الكلب عندهم قولان: قول بالحرمة وقول بالكراهة. وبالنظر والتدقيق في كتب المذهب وأقوال فقهائه، نجد أن المحققين من علماء المذهب يرجحون القول بحرمته.
ويقول الإمام ابن الجَلَّاب المالكي رحمه الله: ولا تؤكل الكلاب.[التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، للإمام أبو القاسم ابن الجَلَّاب، (1/ 319)].
ويقول الإمام الحطاب رحمه الله: إنَّ الْكَلْبَ فِيهِ قَوْلَانِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ -أي الإمام خليل صاحب المختصر- وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ -أي الإمام الدميري المصري المالكي- الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ، وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّحْرِيمَ، قَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ الْعَادِيَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُوَطَّإِ. ثم يُعرج الإمام الحطاب رحمه الله: وَلَمْ أَرَ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ نَقَلَ إبَاحَةَ أَكْلِ الْكَلْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، للإمام/ شمس الدين الحطاب الرُّعيني، (3/ 236)].
وعليه، فالراجح عند المالكية، حرمة أكل لحم الكلاب، وهذا ما نطق به موطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى، حيث بوّب الإمام في موطئه بابًا بعنوان: بَابُ تَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وجاء فيه: عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ» [موطأ مالك، ت: عبد الباقي، 13، ( 2/ 496)].
وبناء على ما سبق، نقول: إن أكل لحم الكلاب حرام شرعًا، عند الأحناف والشافعية والحنابلة، وهو الراجح عند المالكية.