مغيث: المعلم المصرى الأفقر على وجه الأرض
إبراهيم: عرض لمرض.. ويجب تقدير المدرسين أولا ثم نطالبهم بالواجبات وتنفيذ التكليفات
نصر: لا بد من تغليظ العقوبة بدلا من التجريم.. وأولياء الأمور يدعمونها لأجل أبنائهم
طايل: نقابة المهن التعليمية تنحاز للوزارة دون مربى الأجيال
شهدت الفترة الأخيرة، مساعٍ قوية من قبل وزارة التربية والتعليم، لمحاربة ظاهرة الدروس الخصوصية، فمنذ بداية أكتوبر الماضى، اتجهت الوزارة بكل ما أوتيت من قوة إلى إغلاق مراكز الدروس الخصوصية وما يطلق عليها بـ"السناتر" على مستوى الجمهورية.
وعلى الرغم من التأكيد على حقيقة أن الدروس الخصوصية، مرض عضال يهدد الذاكرة التعليمية للأمة المصرية، إلا أنه وبالنظر إلى جانب آخر يتمثل فى حقوق المعلم، بداية من تدنى راتبه، والذى ينعكس بالضرورة على حقه فى منظومة تأمين صحى، وصولاً إلى حقوقه الأدبية والاجتماعية، لنجد أن ذلك لا يمكن أن يظهر جليا وبصورة واضحة على أرض الواقع.
راتب مهين
الدكتور كمال مغيث الخبير التربوى، استهل حديثه بأن المعلم المصرى هو بدون شك أفقر معلمى الأرض، فراتبه فى بداية حياته شهريا يصل إلى 65 دولارا، ولا يوجد مُعلم يبدأ حياته بهذا الراتب، وينهى مسيرته المهنية بعد 35 عاماً من العمل فى أفضل الحظوظ ب4 آلاف جنيه أى ما يوازى 450 دولارا، فالمعلم من بداية عمله وحتى نهاية حياته يعيش تحت خط الفقر.
وأكد أن الكارثة الكبرى، تنتج عندما يحصل المعلم على راتب 4 آلاف جنيه فى سن الستين عاماً، وعندما يتخرج على المعاش يتراجع راتبه إلى 1200 جنيه، فكيف بعد أن استقرت أمور بيته عند راتب الأربعة آلاف جنيه، وفجأة يتراجع الراتب إلى 1200 جنيه، فنحن أمام كارثة حقيقية، عوضا عن أنه لا يتوفر له تأمين صحى واجتماعى لائق على الإطلاق.
وأشار إلى أن المادة 14 من الدستور تنص على أن يخصص 4% من الدخل المحلى للتعليم قبل الجامعى، بما يصل قيمته إلى 150 مليار جنيه، إلا أن الدولة خصصت 89 مليار جنيه فقط للتعليم، بما يشير إلى أن هناك فارقا يصل إلى 60 مليار جنيه من موازنة التعليم بالدستور.
الوزارة وضعت يديها فى الماء
وتابع أن هذا يأتى فى ظل حديث الوزارة عن المنظومة الجديدة التى أنقذت التعليم بنسبة 85%، بينما المدارس حالها أسوأ من العام الماضى، لذلك يمكن القول إن الوزارة قامت بما يجب أن تقوم به ووضعت أيديها فى الماء، واتجهت لمواجهة الدروس الخصوصية، حتى أن نائب وزير التعليم أعلن عن تطبيق عقوبة بالسجن من 6 سنوات إلى 18 سنة، ولكن بعد عدة حملات متتابعة من إغلاق مراكز الدروس الخصوصية، ستعود الأمور إلى سيرتها الأولى، لكننا يجب أن نسلم فى البداية بأن الدروس الخصوصية جريمة بالفعل، وتجهض العملية التعليمية، وتعصف بمبدأ تكافؤ الفرص.
وأكد أن الدروس الخصوصية أيضا تمنع المدارس من أن تؤدى دورها الأساسى، فهى ليست للحصول على الشهادات، وإنما تختص بالانتماء الوطنى والتماسك والتواصل الاجتماعى.. وهكذا، فهى تمنع كل ذلك، وتستهدف فقط قدرة الحفظ والتذكر، وتستنزف موارد الآباء، فهى آفة ومرض خطير، ولا بد من التسليم بذلك.
راتب المعلم بلا جدوى
فيما استهل حسين إبراهيم، أمين عام نقابة المعلمين المستقلة، حديثه، بأن راتب المعلم ليس له جدوى على الإطلاق، لافتا إلى أنه يعمل فى وزارة التربية والتعليم منذ 21 عاما، ومرتبه 2130 جنيها، ليس بمقدور شاب أعزب أن يعيش بهذا المبلغ، فما بالك بالمتزوج، لافتا إلى أنه يعمل بعد الظهيرة بمهنة سائق؛ حتى يستطيع أن يُنفق على بيته.
وأكد أن المعلم لا يحصل على حقه على الإطلاق، مطالباً بأن يعطوه هذا الحق أولا، ، لكن ما يحدث هو تحميل المعلم فوق طاقته وعدم إعطائه حقه، بل يتم اتهامه فوق ذلك بالتقصير، والحملات التى يتم شنها الآن على مراكز الدروس الخصوصية، فهذا أمر محفوظ خلال هذا التوقيت من كل عام، وتم تداوله بجميع الصحف فى فترة أول شهرين من الدراسة من كل عام.
وأردف بأن مراكز الدروس الخصوصية، هى عبارة عن جمعية من جمعيات تنمية المجتمع المحلى، يسمح لها القانون بشكل رسمى بافتتاح فصول تقوية، فأصبحت بذلك مركزاً للدروس الخصوصية، فيتم مداهمته لأنه يعمل بالنهار، فليس هناك مشكلة فى أنه سيغلق المركز ويفتحه بعد الظهيرة، لذلك فليس هناك حق لإغلاق المركز؛ لأن القانون يسمح له بذلك، واللوائح تسمح له بهذا، فما يحدث من حملات لأجل تهدئة الرأى العام، بينما الرأى العام فى وادٍ، والوزارة فى وادٍ آخر، كما أن المواطن غير راضٍ عن التعليم، ولو كان راضياً لما ظل يغضب ويثور بين الفينة والأخرى.
وأكد أنه لا يوجد تأمين صحى أو حقوق اجتماعية أو أدبية للمعلم على الإطلاق، مشيراً إلى أن ذلك يأتى فى سياق التصريحات فقط، و5% فقط من التصريحات تكون وردية، والعدائية منها 95% تتمثل فى الإهانات والسب وتحريض للمواطنين ضد المعلم بسبب الدروس الخصوصية، رغم أن جميع وزراء التعليم السابقين وحتى الدكتور طارق شوقى يعلمون جيداً أن أزمة التعليم ليست الدروس الخصوصية على الإطلاق، فالدروس الخصوصية هى عرض لمرض، والمرض هو فشل لمنظومة التعليم فى مصر.
أسباب الفشل
وأشار إلى أن التعليم المصرى فاشل، وأسباب فشله معروفة، بأنه لا توجد بنية تحتية أو تكنولوجية أو حتى تطوير حقيقى للمناهج، وما يحدث فى المناهج فترة بعد الأخرى هو مجرد عبث، بنقل الوحدة الأولى محل الثانية، والثالثة محل الرابعة، وندعى بأن هذا تطوير، ومخاطبة الرأى العام على أن المقرر الدراسى المتمثل فى الكتاب المدرسى، بينما المنهج الحقيقى هو عبارة عن 6 عناصر تتمثل فى "الخطة الزمنية، والمقرر الدراسى، والوسائل السمعية والبصرية"، وأن تكون هناك بنية تحتية جيدة متمثلة فى "فصل جيد ومدرسة كبيرة وحوش كبير وكثافة قليلة فى الفصول" فكل تلك العوامل تؤدى إلى تعليم جيد، ولكن نظراً لعدم توافر كل هذا؛ فهناك فشل فى التعليم.
وأشار إلى أن نجاح المدارس الدولية والخاصة، يرجع إلى توافر جميع الإمكانات السابقة، والتى بدورها تؤدى إلى نجاح المنظومة التعليمية، فالفصل به من 25 إلى 30 طالبا بحد أقصى، ولديه حوش المدرسة الذى يستطيع أن يستنفذ فيه كل الطاقات، وحجرات للتربية الموسيقية، وأخرى للتربية الرياضية، بالإضافة إلى المسرح المدرسى، وكل هذه العوامل لا تتوافر فى المدارس الحكومية، بالإضافة إلى أن عدد الطلاب فى كل فصل يزيد عن 70 و80 بل 100 طالب.
ولفت إلى أن الوزير أنفق المليارات، لأجل استيراد نظام جديد فى التعليم، فبدلا من إنفاق هذه المليارات على هذا النظام، كان من الأولى إنفاقها على تأهيل البنية التحتية للمدارس، وتحسين رواتب المعلمين، ويتم شراء المعدات والوحدات التكنولوجية، فكيف يمكن أن يتم شراء تابلت، والمدارس لا يوجد بها إنترنت، حتى أن هناك بعض المدارس تدفع فاتورة الكهرباء من حساباتها الخاصة، فأكثر من 2500 مدرسة فى مصر تدفع ثمن فاتورة الكهرباء عن طريق العداد الإلكترونى، فلا حقوق المعلم متوفرة أو هناك منظومة إصلاح حقيقية، بينما هناك اجتهادات ولكن لا يريدون أن يربطوها بما يجرى على أرض الواقع.
وأكد أن دور النقابة تمثل فى أنها أجرت مشروعا للإصلاح التعليمى فى مصر، وتم وضعه فى قانون أطلق عليه قانون التعليم، يتمثل فى رؤية نقابة المعلمين المستقلة فى قانون التعليم الموحد، وجرى عرضه على الوزارة ومجلس الوزراء، وعقد مؤتمر صحفى حضره كبار الشخصيات فى مصر نحو هذا الشأن.
العقوبة
ماجدة نصر عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، فضلت بأن يكون تجريم الدروس الخصوصية، عبر تغليظ العقوبة فقط، وليس تجريمها، فالتجريم هنا هو أنها أصبحت جريمة، وتكون أقصى عقوبة لها السجن، مشيرة إلى أن العقوبة الأمثل هى فصل من الوظيفة يصاحبها غرامة كبيرة كأقصى عقوبة فى حالة استمرار المعلم وإصراره، بل ما تم رصده أيضاً هو وجود أشخاص ليس لهم علاقة بمهنة التعليم ويمتهنون مهنا أخرى.
وأشارت إلى أن العقوبة تختلف فى الوقت الحالى مع تطبيق قرار تجريم الدروس الخصوصية، لافتة إلى أن جزءا كبيرا من أولياء الأمور هم الذين يرغبون فى أن يحصل أبناؤهم على تلك الدروس؛ لعدم وجود ثقة فى التعليم الحكومى، وبالتالى يجدون فرصة فى تعليم أبنائهم من خلالها.
وأوضحت أنه يجب فى البداية تحسين التعليم أولا، وإيجاد بدائل فى العملية التعليمية، بالرقابة على تواجد المعلم داخل المدرسة، وأنه يجب أن يؤدى عمله بشكل جيد، والحرص على تلقيه تعليما جيدا، وأنه تم تدريبه بشكل جيد؛ بحيث يؤدى واجبه على أكمل وجه، بالإضافة إلى تحسين مجموعات التقوية والتوسع فيها، حتى يتوفر البديل للمعلم؛ إذا رغب التلميذ فى مصدر آخر بديلا عن الدروس الخصوصية.
الحقوق الأساسية
وفيما يخص حقوق المعلم، أكدت أن المعلم يحتاج إلى زيادة فى راتبه دون شك، ولكن فى الوقت الحالى زيادة الراتب لن تقضى على الدروس الخصوصية، فالمعلمون الآن يعطون دروسا فى مجموعات تتعدى 100 و200 طالب، والمراجعات يعطونها فى الملعب، فمهما ازداد الدخل؛ سيكون غير كاف بالنسبة له، وبالتالى فعملية زيادة الرواتب مطلوبة، ولكنها لن تقضى على الدروس الخصوصية.
وأوضحت بأن المعلم يحتاج إلى حقوق أخرى، كأن يتم توفير تأمين صحى له بتخفيضات كبيرة، وتخفيضات أيضا بالنسبة للمواصلات، وبذلك يتم تحسين وضعه الاجتماعى والاقتصادى من خلال توفير خدمات مماثلة لتخفيض الرسوم الدراسية لأولاده، فالمعلم هو أساس المجتمع فى تطوير التعليم، حتى وإن تم الاهتمام بهذه الفئة عن غيرها من الفئات فى هذه المرحلة؛ فهذا سيكون بالأمر الجيد، وسيعود بالنفع على المجتمع ككل.
وأكدت أنه يجب الاهتمام بالمعلم من جانبين من ناحية التدريب بأن يكون مسايرًا للتكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى تحسين وضعه الاجتماعى حتى لا يفكر فى شىء آخر، فإذا لم تستطع الدولة تحسين راتبه بشكل جيد؛ فيجب تقديم خدمات أخرى تسهل له أمور حياته، لحين توفير الراتب المناسب.
كثافات الفصول
فيما تحدث عبدالحفيظ طايل رئيس المركز المصرى للحق فى التعليم، عن أن المعلم المصرى يعمل أضعاف ما يعمله زملاؤه فى مختلف أنحاء العالم، مرجعا ذلك إلى كثافات الفصول المرتفعة، فالفصل فى الخارج به بحد أقصى 30 طالبا، أما فى مصر يتعدى عدد الطلاب فى الفصل الواحد المائة طالب، وفى نفس الوقت يحصل على راتب يوازي 1/8 أجر المعلمين فى العالم، فمنظمة اليونيسكو حددت راتب المعلم بألا يقل عن 750 دولارا، مقرونا بالعملة المحلية عند بدء الاشتغال، وهذا الأمر معمول به فى دول العالم الثالث، وكون أن الدولة المصرية عومت الجنيه، ما يعنى أن يتحول مبلغ الـ750 دولارا إلى مبلغ كبير بالجنيه المصرى، فهذه ليست مشكلة المعلم.
غياب النقابات
وتابع طايل، بأن القوة الشرائية للجنيه المصرى انخفضت، فمن المفترض أن يحصل على راتب 3 آلاف جنيه منذ 4 سنوات، والآن يفترض أيضا أن يصبح راتبه شيئا آخر، مؤكدا أن المعلم مقهور جداً إلى أقصى حد، فليس لديه نقابة تدافع عنه، لأن نقابة المهن التعليمية دورها يكمن فى أنها تدافع عن الوزارة، وليس المعلمين، وعندما أنشأ المعلمون نقابتهم الخاصة، التى يطلق عليها نقابة المعلمين المستقلة، فالنقابات المستقلة تعانى من حروب الآن لأنهم يسعون إلى تسوية أوضاعهم، حتى يتمكنوا من تأدية دورهم على الإطلاق، حيث أن قانون النقابات لا يكفل لهم ذلك، على الرغم من أن الأصل "أن عمل النقابات هو عمل تفاوضى طوال الوقت، بأن يتم التفاوض مع الحكومة على أفضل صيغة ممكنة للوضع".
وأكد أن النقابات التى تحاول القيام بهذا الدور على أى مستوى، لا تستطيع؛ لعدم وجود رغبة من الحكومة أو من رجال الأعمال، فهم لا يريدون أن يكون هناك صوت للعاملين بأجر، فالمعلمون المصريون محرومون تماما من حقوقهم النقابية ومن شروط عمل لائقة.
وأشار طايل، إلى أن راتب المعلم سينعكس على التأمين الصحى، فطالما أن الراتب نفسه ضعيف، فالنسبة التى من المفترض أن يتم توفيرها من داخل الراتب للتأمين الصحى؛ ستكون ضعيفة، وبالتالى مستوى الخدمة بالتأمين الصحى تكون على قدر نسبة المال الذى يدفعه مقابلها، ولن تكون جيدة بالنسبة للمعلمين مطلقا.
الحقوق الأدبية والاجتماعية
ولفت إلى أن ذلك سينعكس على الحقوق الأدبية والاجتماعية الخاصة بالمعلم، فلو كان المعلم لديه سيارته الخاصة التى يذهب ويأتى بها من عمله، أو كانت لديه القدرة على شراء ملابس تضفى عليه قدراً من الوقار؛ فسينعكس ذلك على هيبته داخل الفصل، بينما المعلم الذى يركب الميكروباص بجوار الطالب الذى يصدمه بيديه داخله، فهنا تساوت الرؤوس، فكيف سيحترمه فى الفصل بعد ذلك، متابعا: "غير أن المعلم الذى يعمل أعمالا أخرى غير التدريس، كالمعلمين الذين لا يعطون دروسا خصوصية، ويعملون فى مطاعم أو سائقين تكاتك، فمن المحتمل أن يكون أحد زبائنه من الطلاب، فبالتأكيد لن يحترمه داخل الفصل على الإطلاق".
وأكد أن الحقوق الأدبية ليست بالحقوق الرومانسية، ولكنها مرتبطة بإعطاء المعلمين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، فبالتالى ينعكس ذلك على تحقيق كرامتهم.