بين التصعيد العسكري وتكثيف الجهود الدبلوماسية، يظل المشهد الأوكراني ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات، في ظل غياب أرضية تفاهم حقيقية بين موسكو وكييف، وتعقيد قانوني وسياسي يكتنف شرعية السلطة الأوكرانية بعد انتهاء ولاية الرئيس فولوديمير زيلينسكي في مايو الماضي.
في هذا السياق، تتقاطع التصريحات الروسية والغربية حول فرص وقف إطلاق النار، وسط محاولات أميركية - بقيادة الرئيس دونالد ترامب - للعودة إلى طاولة المفاوضات، في وقت ترى فيه موسكو أن واشنطن ليست طرفًا محايدًا.
فما مصير المفاوضات بين الجانبين؟ ولماذا تزداد وتيرة الهجمات العسكرية في وقت يتحدث فيه الجميع عن وقف الحرب؟
خلافات حول التسوية
كشف الدبلوماسي الروسي السابق ألكسندر زاسبكين عن موقف موسكو من التسوية المحتملة للنزاع في أوكرانيا، مشددًا على أن الخلافات الجوهرية بين روسيا وأوكرانيا حول عناصر التسوية ما زالت قائمة، معتبراً أن الوضع القانوني الحالي في كييف بات "غامضًا" بعد انتهاء ولاية زيلينسكي في مايو الماضي، وقراره السابق بعدم التفاوض مع روسيا، وهو ما يجعل أي حوار مع سلطة غير شرعية أمرًا غير مقبول من الناحية القانونية.
ورحّب زاسبكين، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، بمساعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإيجاد مخرج للنزاع، مؤكدًا أن الكرملين يرى هذه المبادرة جزءًا من حوار استراتيجي روسي-أميركي أوسع، يجب أن يشمل النظام الأمني الجديد في الفضاء الأورو-أطلسي.
وأشار إلى أن ترامب يمثل تيارًا مناهضًا للعولمة الليبرالية التي تتبناها إدارة بايدن وحلفاؤها الأوروبيون، مضيفًا أن "المعسكر المناهض لروسيا يصطدم بإدارة ترامب في جميع المجالات، وليس في أوكرانيا فقط".
وحول إمكانية وقف إطلاق النار، قال زاسبكين إن الرئيس بوتين وافق مبدئيًا على الفكرة تقديرًا لنوايا ترامب، لكنه شدد على أن أي هدنة دون تمهيد واضح وشروط رقابية ستؤدي حتمًا إلى استئناف القتال، كما حدث سابقًا.
وأوضح أن روسيا تطالب بوقف التعبئة في أوكرانيا ووقف المساعدات العسكرية الغربية كشرط أساسي لإنجاح الهدنة، متهماً كييف بالسعي وراء هدنة مؤقتة فقط لإعادة تسليح نفسها وتحضير جولة جديدة من الحرب.
ولفت زاسبكين إلى أن أوروبا تلعب دورًا سلبيًا في النزاع، متهماً حكوماتها بـ"مواصلة النهج المعادي لروسيا" على غرار السياسة الألمانية تجاه الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية، كما أكد أن القارة العجوز تسعى للضغط على إدارة ترامب لضمان استمرار الدعم الأميركي لكييف رغم التحولات السياسية المحتملة في واشنطن.
وأوضح زاسبكين أن روسيا تركز في المرحلة الحالية على تحقيق تقدم عسكري في عدة جبهات، معتبرًا ذلك "عاملًا حاسمًا في فرض الرؤية الروسية للتسوية"، والتي تقوم على القضاء على النازية في أوكرانيا، نزع سلاحها، ومنع توسع الناتو، وأشار إلى أن العمليات الجارية قد تشمل هجومًا واسعًا في مناطق سومي وخاركيف لإقامة منطقة عازلة، مع احتمال تصعيد نوعي في الجنوب وطرح أوديسا كهدف استراتيجي.
وفي ختام حديثه، اعتبر زاسبكين أن روسيا تنظر إلى الصراع الجاري باعتباره تحديًا وجوديًا ومصيريًا، مؤكداً أن موسكو لن تتراجع قبل تحقيق أهدافها الاستراتيجية وتحويل أوكرانيا إلى دولة صديقة، واصفًا التحذيرات الأوكرانية من تدخل روسي في عمق أوروبا بأنها محض "مناورة إعلامية هدفها شيطنة روسيا".
وعن مبادرة وقف إطلاق النار الأميركية، شدد على أن موسكو تلتزم بعدم قصف منشآت الطاقة كنوع من التفاعل الإيجابي، لكنه اتهم أوكرانيا بـمواصلة قصف البنية التحتية الروسية دون التزام بأي تهدئة، في مؤشر واضح – بحسب تعبيره – على عدم رغبة كييف الحقيقية في إنهاء النزاع.
الحل لن يكون دبلوماسيًا
ومن جانبه، أكد الدكتور محمود الأفندي، المحلل السياسي، أن الجيش الروسي أصبح يسيطر على الجبهات الأوكرانية، وسط تراجع حاد في القدرات البشرية والمادية لكييف، وافتقارها إلى القوة الضاربة التي ميزت المراحل الأولى من الصراع.
وأشار إلى أن القوات الموجودة حاليًا على الجبهة الأوكرانية هي مجرد مجندين جُدد خضعوا لتدريب لا يتجاوز ثلاثة أشهر، في ظل استنزاف كبير للقوة القتالية المخضرمة.
وفقًا للأفندي، روسيا نجحت في تحويل ساحة المعركة إلى حلبة لاستنزاف الغرب أيضًا، عبر استهلاك الدعم العسكري لـ52 دولة، إضافة إلى آلاف المرتزقة الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب أوكرانيا، فرغم الدعم الغربي ما زالت أوكرانيا تخسر أراضيها وقواتها، بينما الغرب نفسه لا يملك خطة واضحة للانتصار
يرى الأفندي أن الحل في أوكرانيا لن يكون دبلوماسيًا بالمعنى الكلاسيكي، فبالنسبة لموسكو، الأراضي التي ضمتها رسميًا (لوغانسك، دونيتسك، خيرسون، وزابوريجيا) أصبحت روسية دستوريًا، ولا يمكن لبوتين التفاوض بشأنها إلا بتعديل الدستور، وهو ما يعني نهاية مستقبله السياسي، وعليه، فإن أي اتفاق محتمل سيعترف ضمنيًا بواقع التقسيم الجديد لأوكرانيا.