في ظل تصاعد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، تتواصل الاتهامات المتبادلة بين الجانبين حول قضايا اقتصادية وصحية حساسة، وعلى رأسها قضية الفنتانيل.
وتؤكد الصين أن هذه الاتهامات الأمريكية لا تستند إلى حقائق موضوعية، بل تمثل جزءًا من سياسة الضغط التجاري التي تنتهجها واشنطن.
وفي هذا السياق، شددت بكين على أهمية الحوار القائم على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة لمعالجة الخلافات، محذرة من أن الإجراءات الأحادية والحمائية الأمريكية لن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة بين أكبر اقتصادين في العالم.
أيمن البراسنة: الجذور التاريخية للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين
ومن هذا المنطلق يصرح الدكتور أيمن البراسنة استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة الأردنية
قال الدكتور أيمن البراسنة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة الأردنية، في حديث خاص لصحيفة "بلدنا اليوم"، إن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ليست وليدة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بل تمتد إلى إدارات سابقة.
وأشار إلى أن إدارة الرئيس باراك أوباما فرضت في عام 2009 رسوماً جمركية على بعض السلع الواردة من الصين، ما يؤكد أن التوتر التجاري بين البلدين له جذور عميقة.
وأوضح البراسنة أن الرئيس ترامب تبنى إجراءات حمائية صارمة، حيث وقع أمراً تنفيذياً يقضي بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية من 10% إلى 20%.
وأكد أن هذه الخطوة جاءت انطلاقاً من قناعة ترامب بأن التبادل التجاري بين البلدين غير متوازن وغير عادل، مما دفعه إلى محاولة استخدام هذه الرسوم لإعادة التوازن إلى الميزان التجاري الأمريكي مع الصين.
الانعكاسات الاقتصادية على الصين والولايات المتحدة
لفت الدكتور البراسنة إلى أن الحرب التجارية بين البلدين لها تداعيات مباشرة على الاقتصاد الصيني، حيث تهدد بخفض الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة تتراوح بين 1% و2%.
وأوضح أن بكين تواجه تحديات كبيرة في إيجاد أسواق بديلة لتصدير سلعها التي كانت تعتمد في جزء كبير منها على السوق الأمريكية.
وأشار إلى أن الصين لم تقف مكتوفة الأيدي، حيث أعلنت وزارة المالية الصينية فرض رسوم جمركية إضافية على السلع الأمريكية اعتباراً من 10 مارس/آذار الجاري، في خطوة تصعيدية تعكس التوتر المتزايد بين أكبر اقتصادين في العالم.
وشدد البراسنة على أن هذه الإجراءات المتبادلة تؤدي إلى تراجع حركة التجارة البينية والتعاون الاستثماري بين البلدين.
تأثير الحرب التجارية على القطاعات الاقتصادية الرئيسية
أكد البراسنة أن الحرب التجارية أثرت بشكل خاص على المواد الزراعية الأمريكية، نظراً لكون الصين أكبر مستورد لفول الصويا والعديد من المنتجات الزراعية الأخرى. ولفت إلى أن هذا التأثير ينعكس سلباً على الشركات الأمريكية المنتجة لهذه السلع، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية على القطاع الزراعي الأمريكي.
وأوضح أن التعريفات الجمركية الأمريكية ستؤدي إلى تباطؤ قطاع التصنيع الصيني، وهو ما يؤثر على الاقتصاد الصيني، الذي يُعد محركاً رئيسياً للاقتصاد العالمي.
وشدد على أن هذا التباطؤ قد يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط نتيجة لتراجع الطلب العالمي.
وأشار إلى أن التأثيرات السلبية للحرب التجارية لن تقتصر على البلدين فقط، بل ستنعكس على الاقتصاد العالمي ككل، نظراً للتشابك الكبير بين الاقتصادات العالمية.
وأوضح أن الدول المصدرة للنفط والغاز الطبيعي قد تعاني من انخفاض الطلب على هذه الموارد في الأجل القريب، ما سيؤثر على موازناتها العامة بشكل كبير.
الانعكاسات العالمية وتداعيات الحمائية التجارية
شدد الدكتور البراسنة على أن تصاعد الحمائية التجارية وارتفاع الرسوم الجمركية يؤديان إلى تقليص حجم التجارة العالمية، مما يحد من الفرص الاقتصادية المتاحة للدول. وأوضح أن هذا التوجه سيؤدي أيضاً إلى تراجع أداء الأسواق المالية وزيادة التقلبات الحادة فيها، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي.
ولفت إلى أن هناك تخوفاً عالمياً من استمرار الحرب التجارية دون التوصل إلى حلول ملموسة بين الجانبين، في ظل تصاعد التوترات الاقتصادية والجيوسياسية.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تشعر بقلق متزايد من تنامي نفوذ الشركات التكنولوجية الصينية على المستوى العالمي، بالإضافة إلى الدور الاقتصادي الصيني المتصاعد في منطقتي المحيط الهادئ والشرق الأوسط.
مستقبل المفاوضات
أكد الدكتور البراسنة أن التجارة أصبحت ورقة مساومة قوية بين البلدين، خاصة في ظل اعتماد الاقتصاد الصيني بشكل متزايد على الصادرات.
وأوضح أن الجدوى الاقتصادية للإجراءات الحمائية التي اتخذتها الولايات المتحدة تظل غير مؤكدة، لأنها لن تكفي لسد العجز التجاري الأمريكي.
وأشار إلى أن هذه السياسات قد تؤدي إلى نتائج عكسية، مثل رفع معدلات التضخم في الولايات المتحدة وزيادة أسعار الفائدة، مما يهدد النشاط الاقتصادي على المدى الطويل. وشدد على أن العودة إلى المحادثات بين الولايات المتحدة والصين حول القضايا التجارية وغيرها من الملفات الخلافية تُعد ضرورة ملحة للحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي.