في ظل تصاعد التوترات الدولية والرغبة في إيجاد حلول دبلوماسية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، انطلقت اليوم في مدينة جدة السعودية محادثات وُصفت بـ"الحاسمة" بين وفدين أميركي وأوكراني، وذلك في إطار جهود ترميم العلاقات بين البلدين ووضع أسس لاتفاقية سلام مع روسيا.
جاء هذا اللقاء بعد اجتماع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث أشاد زيلينسكي بالدور السعودي في تعزيز فرص تحقيق السلام، مؤكدًا أن الموقف الأوكراني في المحادثات سيكون بناءً بالكامل.
ووسط ترقب دولي، يشارك في الاجتماع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ومستشار الأمن الوطني مساعد العيبان، إلى جانب مسؤولين أميركيين وأوكرانيين، في خطوة يرى محللون أنها قد تسهم في توضيح الالتباسات وتوحيد الأولويات الاستراتيجية بين الطرفين.
وفي تصريح خاص لصحيفة الشرق الأوسط، أكد المستشار العسكري السابق في الخارجية الأميركية، عباس داهوك، أن هذه المحادثات توفر فرصة حقيقية لتعزيز الثقة واستعادة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وكييف، مشيرًا إلى أن نجاحها يعتمد على مدى الالتزام السياسي من الطرفين، بالإضافة إلى استعداد روسيا للدخول في مفاوضات جادة بشأن استعادة الأراضي المحتلة.
الدور السعودي في تحقيق تسوية سلمية للأزمة الأوكرانية
في حديث خاص لصحيفة بلدنا اليوم، أوضح الدكتور محمود الأفندي، الباحث السياسي في روسيا، أن الدول المحايدة تاريخيًا لعبت دورًا رئيسيًا في حل النزاعات، مشيرًا إلى أن سويسرا كانت نموذجًا للدولة المحايدة على مدار 300 عام، حيث احتضنت العديد من المفاوضات والتسويات السياسية.
وأضاف أن الضغوط الأميركية الهائلة خلال الحرب الروسية الأوكرانية دفعت سويسرا إلى الخروج عن حيادها التاريخي، مما أفقدها ثقة روسيا كوسيط محتمل لحل النزاع.
وأشار الدكتور الأفندي إلى أن هذا الفراغ الدبلوماسي أفسح المجال أمام دول جديدة للعب دور الوساطة، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما دولتان تربطهما علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، ومع ذلك نجحتا في الحفاظ على موقف متوازن في الصراع الروسي الأوكراني رغم الضغوط الخارجية.
وأكد أن السعودية والإمارات أثبتتا قدرتهما على كسب ثقة روسيا وأوكرانيا من خلال دورهما الفعّال في تبادل الأسرى، حيث تمت العديد من صفقات التبادل بوساطتهما، في الوقت الذي فقدت فيه تركيا ثقة موسكو بعد تسليمها بعض الأسرى الأوكرانيين إلى كييف، رغم وجود اتفاق مسبق بعدم القيام بذلك.
وأوضح أن السعودية التزمت بسياسة الحياد حتى في ظل الضغوط الغربية، حيث امتنعت عن تسليم بعض المواطنين الأجانب المحتجزين لديها، رغم الضغوط الأميركية والبريطانية، وهو ما عزز من مصداقيتها كوسيط محايد.
وشدد على أن روسيا وضعت شرطًا أساسيًا لاستئناف المفاوضات مع أوكرانيا والولايات المتحدة، يتمثل في أن تُجرى هذه المباحثات على أراضٍ محايدة مثل السعودية أو الإمارات، وهو ما يعكس حجم الثقة التي اكتسبتها الدولتان.
وأشار إلى أن المشهد الجيوسياسي العالمي يشهد تحولات كبيرة، حيث بدأت تظهر أقطاب جديدة قادرة على لعب أدوار مؤثرة، ليس فقط اقتصاديًا، بل أيضًا على مستوى بناء الثقة بين الأطراف المتصارعة. وأضاف أن السعودية باتت تمثل أحد هذه الأقطاب بفضل سياستها المتوازنة، مما يعزز دورها المستقبلي في أي تسويات سياسية كبرى.
وأكد الدكتور الأفندي أن السعودية والإمارات نجحتا في استثمار الأزمة الأوكرانية لتعزيز مكانتهما الدولية، مشيرًا إلى أن التزامهما بالحياد جعلهما طرفًا موثوقًا به في المعادلات الجيوسياسية القادمة.