قال الدكتور مصطفى شلش، رئيس وحدة الدراسات الآسيوية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، في حديث خاص لصحيفة "بلدنا اليوم"، إن الوضع الإنساني في سوريا مأساوي للغاية، حيث تعاني كافة الأطراف، سواء على المستوى الدولي أو المالي.
وأضاف أن الجماعات المحسوبة على التيارات الثورية، وكذلك تلك المرتبطة بالنظام السابق، لعبت دورًا في تفاقم الأزمة.
كما أوضح أن الساحل السوري يضم تركيبة طائفية متنوعة، فإلى جانب السنة، تسكنه الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السابق بشار الأسد ووالده حافظ الأسد. وأكد أن جزءًا من الطائفة السنية، الذي نشأ خلال السنوات الأربع عشرة الماضية بفعل الحرب، تعرض للتنكيل من قبل الطائفة العلوية التي تحالفت مع إيران وحزب الله اللبناني، مما جعلها تتحمل مسؤولية أساسية عمّا حدث خلال الحرب الأهلية.
غياب الدولة وبروز الميليشيات
وأشار شلش إلى أنه لم يعد هناك هيكلية منظمة للدولة السورية، إذ اختفت مفاهيم الجيش الوطني والشرطة النظامية، وحلّت محلها ميليشيات مسلحة تفتقر إلى أي شكل من أشكال التنظيم.
ولفت إلى أن هذه الميليشيات لا تضم سوريين فقط، بل تتكون من عناصر من جنسيات متعددة.
وأوضح أن "جبهة تحرير الشام"، التي كانت تُعرف سابقًا بـ "جبهة النصرة" بقيادة أحمد الشرع (المعروف سابقًا بالجولاني)، تتكون في معظمها من مقاتلين من آسيا الوسطى يُعرفون بـ "العصائب الحمراء"، مما يعقّد إمكانية السيطرة عليها أو ضبطها.
وأكد أن دمشق فقدت سيطرتها الفعلية على البلاد، حيث أصبحت أجزاء واسعة من سوريا خارج نطاق حكمها، فالشمال يخضع للأكراد، والسويداء للدروز، والساحل للطائفة العلوية.
كما شدد على أن أحمد الشرع، رغم وجوده في دمشق، لا يسيطر على كامل الأراضي السورية، بل إن مناطق واسعة لا تزال خارج نفوذه، بينما يظل النظام الجديد ومعه "تحرير الشام" متمركزين في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، فيما تتواجد أطراف أخرى في إدلب والمناطق الحدودية، حيث يتداخل النفوذ الروسي، الأمريكي، والتركي.
التدخلات الخارجية وتقلب التوازنات
وأوضح شلش أن ما حدث في الساحل السوري خلط الأوراق السياسية والعسكرية، مما دفع روسيا إلى إعادة تعزيز وجودها في المشهد السوري، بعد أن كادت تتراجع لصالح النفوذ التركي والأمريكي.
كما لفت إلى أن إسرائيل استغلت الوضع للترويج لفكرة الفيدرالية في سوريا، بحيث يتمتع الدروز بحكم ذاتي، فيما تكون المناطق الجنوبية منزوعة السلاح، وهو ما حظي بدعم بعض العواصم الغربية.
وأشار إلى أن تركيا كانت تسعى للحفاظ على وحدة سوريا، بينما كانت هناك محاولات لإخراج النفوذ الإيراني والروسي من البلاد، إلا أن التطورات الأخيرة قلبت هذه المعادلة. وأضاف أن الفوضى دفعت داعمي أحمد الشرع للتواصل معه، حيث حاول نفي أي علاقة له بالممارسات التي جرت، لكن ذلك لم يمنع من اهتزاز شرعيته أمام الرأي العام العالمي.
المستقبل الغامض لسوريا
وأكد شلش أن أنصار النظام السابق يرون أنه لا فرق بين نظام البعث ونهجه القمعي، وبين النظام الحالي بقيادة أحمد الشرع، مما يعزز حالة عدم الاستقرار.
كما شدد على أن الأوضاع في سوريا اليوم معقدة للغاية، والتحقيقات الجارية قد لا تغير الواقع، إذ أصبحت الدولة في حالة تفكك كامل.
وأشار شلش إلى أن ما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي من مشاهد الفوضى ليس سوى انعكاس لما يجري على الأرض، لكن في النهاية، كل ما يحدث سيتم تمريره وفق التوازنات الدولية.
وإذا لم تكن هناك نية فعلية لتقسيم سوريا، فلن يحدث ذلك، حتى لو شهدت البلاد أفظع الجرائم. وختم قائلاً: "في النهاية، من يدفع الثمن دائمًا هو الشعب السوري".