جاء خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الكونجرس ليكرّس حالة الانقسام العميق التي تعيشها الولايات المتحدة، بدلاً من أن يكون مناسبةً لجسر الهوة بين الجمهوريين والديمقراطيين.
وبينما انطلقت هتافات "USA, USA" و"ترامب، ترامب" من أنصاره الجمهوريين، ظلَّ الديمقراطيون متجمدي الملامح، مكتفين ببعض لافتات الاحتجاج، فيما غادر بعضهم القاعة اعتراضًا على ما وصفوه بالخطاب الشعبوي.
في أول ظهور له داخل مجلس النواب منذ اقتحامه في السادس من يناير 2021، بدا ترامب ثابتًا في موقفه الهجومي، مُحمِّلًا خصومه السياسيين مسؤولية تردي حالة الوحدة الوطنية، دون أي اعترافٍ بأن خطابه الاستفزازي قد يكون جزءًا من المشكلة. ومضى في استهدافه المباشر للديمقراطيين، مشيرًا إلى أنهم لن يصفقوا له حتى لو قدم حلولًا كبرى للأزمات التي تواجه البلاد.
استعراض للقوة وحضور سياسي لافت
وسط تصفيق حار من نوابه الجمهوريين، وقف ترامب على المنصة إلى جانب نائبه جي دي فانس ورئيس مجلس النواب مايك جونسون، في مشهدٍ عكس مدى سيطرة حزبه على المشهد السياسي، خصوصًا بعد تراجع نفوذ الديمقراطيين، الذين بدا غياب بعض قياداتهم عن الجلسة وكأنه اعترافٌ ضمني بضعف موقفهم.
وبرغم الأجواء المشحونة، حاول ترامب إبراز بعض اللحظات العاطفية، مثل تكريمه للطفل دانيال، المصاب بسرطان الدماغ، عبر منحه لقب عميل في الخدمة السرية، إلا أن الخطاب في مجمله لم يخرج عن إطاره التقليدي الحاد، حيث واصل ترامب الحديث بلهجة قومية متشددة، موجهًا الانتقادات إلى المهاجرين غير الشرعيين، وملقيًا باللوم على إدارة بايدن السابقة في التحديات الاقتصادية التي تعانيها البلاد.
اقتصاد مأزوم وخطط غير واضحة
ورغم تأكيده على أن "أمريكا عادت بقوة"، فإن ترامب لم يقدم رؤية واضحة لمعالجة المخاوف الاقتصادية المتزايدة، مثل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والإسكان.
وبينما ألقى باللوم على بايدن في أزمة ارتفاع أسعار البيض، تجاهل الإشارة إلى أن موجة إنفلونزا الطيور العالمية كانت السبب الرئيسي في هذه الأزمة.
وعلى الرغم من أنه لم يشر بشكل مباشر إلى الهبوط الحاد الذي شهدته أسواق الأسهم عقب فرضه رسومًا جمركية بنسبة 25% على واردات كندا والمكسيك، إلا أن المخاوف تتزايد بشأن تأثير هذه السياسات على الاقتصاد الأمريكي، حيث يرى محللون أن هذه القرارات قد تتسبب في حرب تجارية جديدة تؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي.
الانقسامات السياسية تتعمق
في المقابل، لم يكن رد الديمقراطيين أقل حدة، حيث وجهت السيناتورة إليسا سلوتكين انتقادات لاذعة لترامب، معتبرةً أن سياساته تُكلف الأمريكيين المزيد من الأعباء المالية، محذرة من أن إعادة التموضع السياسي للولايات المتحدة تجاه روسيا والصين قد يضرّ بمكانتها الدولية.
وقالت: "رونالد ريغان يتقلب في قبره" في إشارةٍ إلى العلاقة المتزايدة بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
مع استمرار هذا الصراع السياسي الحاد، تبدو الولايات المتحدة مقبلةً على سنوات أخرى من الاستقطاب والانقسام.
وكما قال ترامب في خطابه: "نحن فقط في البداية"، فإن الطريق إلى المستقبل يبدو أكثر تعقيدًا، في ظل التجاذبات الحادة بين المعسكرين السياسيين.