مع انتهاء الحرب في أوكرانيا، تبرز معضلة جوهرية: كيف يمكن ردع روسيا عن إعادة غزو البلاد؟
وفقًا للخبراء، قد يتطلب ذلك نشر 150 ألف جندي أوروبي مدعومين بغطاء جوي أمريكي، إلى جانب قدرات استخباراتية ودفاع صاروخي متقدم.
نحو اتفاق سلام.. ولكن بأي ضمانات؟
تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإنهاء الحرب، لكن كيفية تحقيق ذلك تظل غامضة، لا سيما في ظل اقتناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه في موقف المنتصر. ورغم ذلك، فتحت تصريحات ترامب الباب أمام احتمال التفاوض على وقفٍ لإطلاق النار، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز
إذا تم التوصل إلى اتفاق، فمن المرجح أن يدفع ترامب باتجاه تحميل أوروبا مسؤولية تنفيذه وأمن أوكرانيا، في محاولةٍ لتقليص الدور الأمريكي. ولكن يظل السؤال الأكثر إلحاحًا: كيف يمكن تأمين ما تبقى من أوكرانيا ومنع بوتين من استئناف العدوان في المستقبل؟
مؤتمر ميونيخ الأمني.. محور النقاش الأوروبي
تتزايد التكهنات حول إمكانية نشر قوات أوروبية في أوكرانيا لحفظ السلام، ومراقبة وقف إطلاق النار، وردع أي هجوم روسي محتمل. إلا أن التساؤلات حول طبيعة تلك القوات، وحجمها، ومدى قبول موسكو بوجودها تظل قائمة.
ومن المتوقع أن يكون هذا الملف في صلب المناقشات خلال مؤتمر ميونيخ الأمني هذا الأسبوع، بحضور نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو.
في حين أبدت دول البلطيق وفرنسا وبريطانيا استعدادها للمشاركة بقوات في أوكرانيا، تبقى ألمانيا متحفظة، معتبرةً أن الفكرة لا تزال سابقة لأوانها.
دور الولايات المتحدة.. حاسم أم هامشي؟
يُعد غياب الدعم العسكري الأمريكي المباشر أحد أكبر المخاوف الأوروبية، حيث يرى المحللون أن أي قوة أوروبية دون غطاء جوي أمريكي، ودعم استخباراتي ولوجستي، ستكون عرضة للخطر أمام أي تحركات روسية عدائية.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعرب عن استعداده للدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب، لكنه يشدد على أن أي اتفاق يجب أن يتضمن ضمانات أمنية فعلية، وليس مجرد وعود دبلوماسية.
في ظل غياب عضوية الناتو، التي لا تبدو وشيكة، تحدث زيلينسكي عن الحاجة إلى نشر ما يصل إلى 200 ألف جندي أجنبي في أوكرانيا. وهو مطلب يرى المحللون أنه غير واقعي، نظرًا لمحدودية الموارد العسكرية الأوروبية.
التحديات اللوجستية والسياسية
كشف مسؤول أوروبي رفيع المستوى أن أوروبا لا تمتلك حتى الآن القوة البشرية الكافية لتنفيذ هذا المخطط، وأن أي نشر عسكري يجب أن يكون مشروطًا بدعم أمريكي مباشر، وإلا فسيواجه مخاطر استراتيجية هائلة، خاصة عند التعامل مع روسيا، ثاني أكبر قوة نووية في العالم.
حتى تشكيل قوة أصغر قوامها 40 ألف جندي قد يكون تحديًا كبيرًا، نظرًا لنقص التجنيد في الجيوش الأوروبية، وضعف النمو الاقتصادي، والاحتياجات الدفاعية الداخلية.
يُقدّر الخبراء أن أي قوة ردع فعالة ستحتاج إلى أكثر من 100 ألف جندي، لضمان القدرة على التناوب والاستجابة للطوارئ.
بين الردع والمقامرة
تحذر كلوديا مايور، الخبيرة في معهد الشؤون الدولية والأمنية الألماني، من أن إرسال عدد محدود من القوات الأوروبية قد يكون مقامرة خطيرة، إذ قد يشجع روسيا على اختبار رد الفعل الغربي، مما قد يؤدي إلى أزمة أعمق.
بسبب هذه المخاطر، رفضت بولندا حتى الآن فكرة المشاركة في أي قوة من هذا النوع، إذ تدرك وارسو أن أي مبادرة أوروبية ستكون عديمة الجدوى دون ضمانات أمنية أمريكية.
الموقف الروسي: رفض قاطع لأي وجود عسكري غربي
لا تزال مطالب موسكو ثابتة: إخضاع أوكرانيا لنفوذها، ووقف توسع الناتو، وتقليص التواجد العسكري الغربي على حدودها.
لهذا السبب، من غير المرجح أن تقبل روسيا نشر قوات أوروبية، حتى لو تم تقديمها كقوات "حفظ سلام". بل تعتبر موسكو ذلك تصعيدًا غير مقبول قد يؤدي إلى تعميق الصراع.
ما البدائل الممكنة؟
أمام هذا التعقيد، يقترح الخبراء ثلاثة نماذج رئيسية:
1. نشر قوات حفظ سلام دولية
قد يكون ذلك حلًا لضمان وقف إطلاق النار، لكنه يتطلب أعدادًا هائلة نظرًا لطول جبهة القتال الأوكرانية (1300 كيلومتر).
التجارب السابقة، مثل بعثة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أثبتت فشل هذا النهج بسبب العرقلة الروسية المستمرة.
2. إنشاء قوة "الإنذار المبكر" أو "الخط الأحمر"
يشبه هذا النموذج الوجود العسكري الذي نشره الناتو في دول البلطيق وبولندا.
يعتمد نجاحه على التزام واضح بالتدخل الفوري في حالة وقوع عدوان روسي، وهو أمر يثير شكوكًا حول مدى فاعليته.
3. بناء "أوكرانيا القنفذ"
يقوم هذا النموذج على تعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية إلى أقصى حد، عبر تسليح الجيش الأوكراني بأنظمة متقدمة وتدريبه على استخدامها، لجعل أي غزو روسي مستقبلي أكثر كُلفة.
يتطلب التزامًا عسكريًا طويل الأمد من الغرب، وليس مجرد مساعدات مؤقتة.
ترامب والاختبار الحقيقي
قبل مناقشة أي وجود عسكري أوروبي، يبقى التحدي الأكبر هو إجبار بوتين على إنهاء الحرب. تحقيق ذلك يتطلب إلحاق مزيد من الخسائر بروسيا ميدانيًا، مع تصعيد الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية.
إذا كان ترامب جادًا في تحقيق وعوده بإنهاء القتال، فإن كيفية التعامل مع هذه المعادلة المعقدة ستحدد مدى نجاح استراتيجيته، وما إذا كان سيتمكن من فرض اتفاق سلام دائم، أم أن الصراع سيظل مفتوحًا على سيناريوهات أكثر خطورة.