أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن فرض رسوم جمركية شاملة على الواردات القادمة من كندا والمكسيك والصين، في خطوة من شأنها تأجيج التوترات التجارية بين واشنطن وثلاثة من أكبر شركائها التجاريين, كما لوّح ترامب بمزيد من التعريفات الجمركية على الاتحاد الأوروبي، ما ينذر بتصعيد واسع في المواجهة الاقتصادية العالمية. وفقًا لتقرير الجارديان
وأوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن السلع المستوردة من كندا والمكسيك ستخضع لتعريفات جمركية بنسبة 25%، في حين سيتم فرض رسوم بنسبة 10% على المنتجات الصينية، وذلك اعتبارًا من الأول من فبراير، دون أي استثناءات أو تأجيلات.
تصاعد المواجهة وغياب الحلول الدبلوماسية
رغم محاولات كندا والمكسيك والصين إيجاد حلول دبلوماسية في اللحظات الأخيرة، شدد ترامب على أن أي تنازلات لن تثنيه عن قراره, ووفقًا لتقارير وول ستريت جورنال، فإن مسؤولين في الدول الثلاث يبذلون جهودًا مكثفة لتفادي الأزمة، إلا أن الإدارة الأمريكية تبدو مصممة على تنفيذ هذه الإجراءات دون تأخير.
في المقابل، أكدت كندا أنها ستتخذ إجراءات "حازمة ولكن عقلانية" ردًا على الخطوة الأمريكية، بينما لم تكشف المكسيك عن تفاصيل ردها المحتمل, من جهتها، تعهدت الصين بالدفاع عن مصالحها "بحزم"، ما يعكس احتمال دخول الاقتصادات الكبرى في مواجهة تجارية غير مسبوقة.
تداعيات اقتصادية وتحذيرات من التضخم
يروج ترامب لهذه الرسوم باعتبارها وسيلة لتعزيز الاقتصاد الأمريكي، مدعيًا أنها ستوفر مئات المليارات من الدولارات للخزانة الفيدرالية, إلا أن خبراء الاقتصاد يحذرون من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ما يتناقض مع تعهدات الرئيس بتخفيف الضغوط الاقتصادية عن المواطنين الأمريكيين.
وعلى الرغم من هذه التحذيرات، أصر ترامب على أن فرض التعريفات لن يؤدي إلى التضخم، بل سيحقق "نجاحًا اقتصاديًا غير مسبوق"، حسب تعبيره, غير أن الأسواق المالية أبدت قلقًا واضحًا، إذ سجل مؤشر داو جونز الصناعي انخفاضًا بنسبة 0.75% عقب إعلان البيت الأبيض، ما يعكس مخاوف المستثمرين من تداعيات هذه القرارات.
أهداف سياسية واقتصادية وراء التصعيد
منذ فوزه في الانتخابات، وجه ترامب انتقادات لاذعة لكندا والمكسيك، متهماً إياهما بعدم بذل جهود كافية لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين والمخدرات، مثل الفنتانيل، إلى الولايات المتحدة, وكان قد توعد سابقًا بفرض رسوم جمركية فور توليه المنصب، قبل أن يؤجل القرار إلى الأول من فبراير.
وفي ظل تأكيد كندا والمكسيك استعدادهما لمواجهة هذه الإجراءات، صرحت الرئيسة المكسيكية، كلوديا شينباوم، بأن بلادها تمتلك خططًا بديلة للتعامل مع أي سيناريو قد تفرضه الإدارة الأمريكية, أما رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، فقد حذر من "أوقات عصيبة" قادمة في حال تنفيذ التعريفات.
وفيما دعت وزيرة المالية الكندية السابقة، كريستيا فريلاند، إلى فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على سيارات تسلا والمشروبات الكحولية الأمريكية، اعتبرت الإدارة الأمريكية أن تصريحات ترودو "غير مسؤولة"، مشددة على ضرورة أن يتواصل رئيس الوزراء الكندي مباشرة مع ترامب قبل الإدلاء بمثل هذه التصريحات.
مخاوف عالمية من حرب تجارية شاملة
لم تقتصر تهديدات ترامب على أمريكا الشمالية والصين، بل شملت أيضًا الاتحاد الأوروبي، حيث ألمح إلى إمكانية فرض تعريفات واسعة على منتجات حيوية مثل أشباه الموصلات والأدوية والصلب.
وفي خطاب تنصيبه، رسم ترامب ملامح استراتيجيته التجارية، قائلاً: "بدلاً من فرض ضرائب على مواطنينا لإثراء دول أخرى، سنفرض الرسوم الجمركية على الدول الأجنبية لإثراء مواطنينا"، مؤكدًا أن ذلك سيسهم في تدفق "مبالغ ضخمة من الأموال إلى خزينة الدولة".
لكن خبراء الاقتصاد يشيرون إلى أن المستوردين الأمريكيين، وليس المصدرين الأجانب، هم من يتحملون تكلفة هذه الرسوم، ما يعني أن العبء النهائي سيقع على عاتق المستهلكين, وتوقعت مؤسسة تاكس فاونديشن أن يؤدي هذا التصعيد إلى رفع تكاليف المعيشة بشكل كبير، محذرة من تداعيات اقتصادية خطيرة على الشركات الأمريكية.
ترامب يتجه لتسريع تنفيذ الرسوم الجمركية
عادةً ما تستغرق إجراءات فرض التعريفات الجمركية وقتًا طويلاً، إذ يتطلب القانون تحقيقًا يستمر 270 يومًا قبل تنفيذها, إلا أن تقارير إعلامية كشفت عن أن إدارة ترامب تبحث عن بدائل قانونية، مثل إعلان "حالة طوارئ اقتصادية"، للإسراع في تطبيق هذه الإجراءات.
وبينما يترقب العالم ما ستؤول إليه هذه المواجهة، تبدو كندا والمكسيك والصين مستعدة لخوض "معركة تجارية" قد تغير شكل الاقتصاد العالمي في الأشهر المقبلة.