في ذروة أزمة عالمية ناجمة عن الثورة الروسية، ودمار الحرب العالمية الأولى، وانهيار الإمبراطوريات الأوروبية الكبرى، كتب الأديب الأيرلندي ويليام بتلر ييتس في قصيدته الشهيرة: "الأشياء تنهار، المركز لا يمكن أن يصمد، فوضى محضة تعم العالم"، معبرًا عن خوفه من نهاية حقبة تاريخية. حسب تقرير الجارديان
بايدن يُحذِّر من منعطف جديد في التاريخ
في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، استشهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بكلمات ييتس، محذرًا من أننا نعيش لحظة حاسمة في مسار التاريخ.
وأكد أن القرارات التي تُتخذ الآن ستُحدد مصير العالم لعقود قادمة. استعاد بايدن ذكريات السبعينيات، فترة مليئة بالتوترات، من ذروة الحرب الباردة إلى النزاعات في الشرق الأوسط وفيتنام، واعتبرها مثالًا لنقطة انعطاف تاريخية شكلت ملامح العالم.
لكن بايدن ليس الوحيد الذي يتحدث عن "لحظة تحول". العديد من القادة العالميين، مثل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تبنوا هذا المفهوم لتحذير العالم من اللحظة الجيوسياسية الراهنة. هذه الحقبة تتسم بتصاعد النزاعات الإقليمية في أماكن مثل أوكرانيا وغزة، إلى جانب تحديات كأزمة المناخ، وصعود الذكاء الاصطناعي كقوة محركة لثورة صناعية جديدة.
التحولات التاريخية.. لحظات فاصلة أم عمليات ممتدة؟
لطالما اعتُبرت أحداث كبرى مثل الثورة الفرنسية أو الحربين العالميتين نقاط تحول تاريخية. ومع ذلك، أظهرت الدراسات أن هذه اللحظات لم تكن إلا ذروة تحولات عميقة ومستمرة. فالثورة الفرنسية، مثلًا، كانت نتيجة عقود من التغيرات الفكرية والاجتماعية خلال عصر التنوير، بينما لم تكن الحرب العالمية الأولى سوى تتويج لصراعات قومية ودبلوماسية طويلة.
حتى أحداث مثل هجمات 11 سبتمبر يمكن فهمها كنتاج تاريخي لصراعات فكرية وإيديولوجية امتدت لعقود. هذا المنظور يوضح أن الأحداث الكبرى ليست معزولة، بل تمثل مراحل مرئية في مسار تحولات أعمق.
الدروس المستفادة.. الجذور أهم من السطح
رغم أهمية التحذيرات من خطورة اللحظة الراهنة، إلا أن التركيز على الأحداث بوصفها "نقاط انعطاف" قد يَحجب الفهم الحقيقي. أزمات اليوم، مثل النزاعات الجيوسياسية وتحديات المناخ، لها جذور هيكلية تمتد لعقود. تصاعد النزعات القومية، الفجوات الاقتصادية، وتآكل النظام الدولي المبني على القواعد، كلها عوامل أساسية لا يمكن معالجتها بتدخلات قصيرة الأمد.
كما يقول المؤرخ الفرنسي فرناند بروديل: "الأحداث الكبرى ليست سوى زبد على سطح موج عميق". التحولات الحقيقية تكمن في التغيرات الهيكلية والاجتماعية التي تستغرق أجيالًا لتتشكل.
العالم عند منعطف طويل الأمد
اليوم، العالم يواجه بلا شك لحظة حاسمة. لكن تجاوز هذه الأزمات يتطلب فهمًا أعمق ومعالجة الأسباب الجذرية التي قادتنا إلى هذا الوضع. التاريخ ليس مجرد تسلسل للأحداث، بل عملية ممتدة تصوغها عوامل عميقة عبر الزمن. ولكي نصنع مستقبلًا مستدامًا، علينا أن نوجه جهودنا نحو معالجة هذه التحولات الهيكلية، بدلًا من التركيز فقط على اللحظات العابرة.