من بين الرموز المُرعبة لنظام الأسد، يُعد سجن "صيدنايا" الأكثر شهرة ورعبًا؛ فهو قلب نظام السجون القمعية الذي يُعرف بوحشيته في قمع المعارضين. يُقدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن حوالي 30 ألف شخص فقدوا حياتهم داخل السجن بين عامي 2011 و2020؛ وهو الرقم الأعلى مقارنة بأي مكان آخر في سوريا.
لسنوات، كانت عمليات الإعدام تتم في سرية، حيث تُشنق مجموعات من 50 شخصًا على الأقل مرة أو مرتين أسبوعيًا.
السجناء في صيدنايا
حياة السجناء في صيدنايا كانت أقرب إلى التعذيب الممنهج، إذ كانوا يُحتجزون في ظروف تُجرد الإنسان من إنسانيته، لدرجة أن بعضهم فقد القدرة على نطق أسمائهم. لكن في يوم الأحد الماضي، ومع دخول مقاتلي المعارضة إلى دمشق، فُتحت أبواب السجن وتم تحرير آلاف السجناء، وسط مشاعر مختلطة من الخوف والأمل.
وليام كريستوفو من الجارديان كان أول صحفي غربي يُسمح له بدخول السجن. في تقريره، يُلقي كريستوفو الضوء على الظروف داخل صيدنايا، ويكشف تفاصيل مُرعبة عن التعذيب الممنهج الذي عانى منه السجناء، إضافة إلى المجهول الذي يواجه عائلات المفقودين الذين لم يعودوا بعد.
غارات تستهدف مواقع استراتيجية بعد سقوط الأسد
في أعقاب سقوط بشار الأسد من الحكم، كثُرت الهجمات الجوية على مناطق مختلفة من سوريا. شنّت الولايات المتحدة غارات على أهداف مُرتبطة بتنظيم داعش في وسط سوريا، بينما تُواصل تركيا عملياتها ضد الميليشيات الكردية المدعومة من واشنطن. إسرائيل بدورها أرسلت قواتها إلى المنطقة الأمنية المُلاصقة لمرتفعات الجولان.
رحلة إلى صيدناياو مشاهد صادمة داخل الجدران
سجن صيدنايا يقع شمال دمشق بحوالي 20 كم، مُحاط بألغام مضادة للدبابات والأفراد. كان الحراس يراقبون السجن بشكل دائم، وفي داخله كانت تُنفذ عمليات التعذيب بطرق تُخفي أي أثر أو صوت. وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية ومجموعة Forensic Architecture، كانت الزنازين معزولة بشكل كامل، حيث يُمنع السجين من إصدار أي صوت، مع تعزيز الشعور بالعزلة والصمت التام.
في السجن، اعتُبر الصمت وسيلة لتعذيب السجناء نفسيًا، إذ يتردد أي صوت من الزنازين عبر فتحات التهوية ليتحول إلى تعذيب جماعي. كانت المحاكمات غالبًا سريعة وبدون إجراءات عادلة، حيث يُنفّذ الحكم بعد التعذيب بطرق لا تُصدق: تُحفظ جثث الضحايا في غرف مُخصصة تُعرف بـ"غرف الملح"، تُنقل لاحقًا إلى المستشفيات، ويُسجل سبب وفاتهم كـ"فشل قلبي" أو "ضيق في التنفس".
الحرية معلّقة والشكوك قائمة
بعد دخول المعارضة إلى السجن، هُدمت الأقفال وتحرر الآلاف. صور تُظهر أطفالًا ونساءً يخرجون من الزنازين وسط مشاهد فرح وخوف، تُعبر عن سنوات من المعاناة. من بين المُفرج عنهم، كانت هناك حالات رمزية مثل رُقيّة الطاطري، الطيارة التي عارضت القصف خلال ثورة 1980، والتي كانت محتجزة منذ 43 عامًا.
القلق يُحيط بكثير من العائلات التي تبحث عن أحبائها الذين لا تزال أماكنهم مجهولة. التقارير تُظهر عمليات بحث مُضنية لعائلات تُحاول الوصول إلى السجلات المفقودة أو بيانات الناجين. وفي ظل نقص المعلومات، انتشرت أنباء حول "الزنزانة الحمراء"، وهي مجمع تحت الأرض يضم سجناء يُعانون من نقص التهوية، لكن التقارير الحديثة تُشير إلى أنه لا توجد أدلة على وجود السجون السرية.
مواجهة المجهول
تحرير صيدنايا قد يُمثل رمزًا للحرية، لكنه أيضًا يُسلط الضوء على السنوات الطويلة من التعذيب والقتل المُمنهج. ما يزال آلاف المُختفين قسرًا مجهولي المصير، وما زال الغموض يُخيّم على مصيرهم.
السؤال: هل سيُنجح المجتمع الدولي في التحقيق والكشف عن مصير هؤلاء المفقودين، أم أن صيدنايا ستبقى شاهدًا صامتًا على الفظائع التي أُرتكبت؟