تضع الدولة صحة المواطنين في مقدمة أولوياتها الأساسية، من خلال إتخاذ إجراءات صارمة للرقابة على الأدوية وضمان جودتها والتأكد من مطابقتها للمعايير المعتمدة، وفي هذا السياق، قامت هيئة الدواء المصرية بخطوة هامة من خلال سحب تشغيلات محددة من دواء علاج نزلات البرد للمرة الثانية خلال العام الجاري، لحماية المواطنين من أي مخاطر صحية محتملة، بالإضافة إلى ذلك، حذرت الهيئة من استخدام "حقنة البرد" التي لم يتم اعتمادها طبيًا، مما يعكس حرصها على صحة الجميع وسلامة استخدام الأدوية.
وكانت هيئة الدواء المصرية أصدرت قرارا رسميا بـ سحب دواء "توسينور" المضاد للسعال من الصيدليات، حيث تم الإعلان عن عدم مطابقته للمواصفات القياسية، وأكدت الهيئة أن المضادات الحيوية ليست فعالة في علاج نزلات البرد والإنفلونزا، مشددة على أهمية تجنب شراء أي أدوية مجهولة المصدر، خاصة في ظل إنتشار الفيروسات التنفسية خلال هذا الموسم.
سحب حقنة البرد من الصيدليات
ومع الدخول في فصل الشتاء وتقلب الأحوال الجوية التي شهدتها مصر خلال الأيام الماضية، أنتشر الإصابة بالانفلونزا، ومعها كثر البحث عن أدوية البرد وخاصة ما يعرف بـ"حقنة البرد" ، تلك الحقنة التي يلجأ إليها العديد من الناس دون استشارة الطبيب، لكن ما مدى فاعلية تلك الحقنة ومحاذريها، ونبين من خلال التقرير التالي مدى خطورة تلك الحقنة، خاصة أن وزارة الصحة المصرية حذرت منها من استخدامها.
من جانبه، حذر الدكتور خالد عبدالغني وكيل وزارة الصحة بالجيزة، من استخدام "حقنة البرد" التي يلجأ لها الكثير من المواطنين دون استشارة الطبيب، مؤكدا على انغ تركيبة الحقنة المتداولة غير معترف بها طبيًا وقد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مضيفا أنه لا يوجد في الطب ما يسمى بـ"حقنة البرد"، وإنما يوجد فقط لقاح الإنفلونزا الموسمي.
التركيبة الشيطانية
وأضاف الدكتور خالد عبدالغني، أن "حقنة البرد" هي تركيبة إجتهادية، وأطلق عليها البعض "التركيبة الشيطانية"، وذلك لعدم اعتمادها على أي أسس علمية وقد تسبب الوفاة، موضحا أن التركيبة مكونة من مضاد حيوي ليس له أي دور في التعامل مع البكتيريا من الأساس، إضافة إلى الكورتيزون، والذي يتسبب في إرتفاع مستويات الضغط والسكر ويصيب جهاز المناعة.
وأوضح وكيل وزارة الصحة أن "حقنة البرد" شديدة الخطورة وتسببت في بعض حالات الوفاة بالمناطق الريفية، لأنها تحتوي على مادة الكورتيزون والمضادات الحيوية بكميات كبيرة جدا، مشيرا إلى أن البرد أو الإنفلونزا مرض فيروسي وبالتالي فإن حقنة مجموعة البرد ليست مخصصة لعلاجه، مشددا أنه لابد تحذير وسائل الإعلام من خطورة استخدامها على صحة وسلامة المواطنين.
الاستخدام المتكرر للمضادات الحيوية يضعف المناعة
وأكد "عبدالغني"، أن الاستخدام المتكرر للمضادات الحيوية دون سبب قد يؤدي إلى مقاومة البكتيريا، مما يجعل العلاج بالمضادات الحيوية أقل فعالية مستقبلًا، مضيفا أن الكورتيزون يعمل على تثبيط الجهاز المناعي، مما يزيد من خطر التعرض للعدوى، وهو شديد الخطورة على مرضى السكري وارتفاع ضغط الدم، كما تسبب مسكنات الألم مشاكل صحية لمرضى الكبد والقلب عند الإفراط في استخدامها.
وكشف الدكتور خالد عبدالغني، أنه لا يوجد أي ارتباط بين "حقنة البرد" ولقاح الإنفلونزا الموسمية، مشيرا إلى أن اللقاح هو مستحضر طبي آمن ومعتمد دوليًا للوقاية من الإنفلونزا ومضاعفاتها، على عكس الحقنة التي تشكل خطورة صحية كبيرة، محذرا من تناولها لأنها تخفي الأعراض بشكل مؤقت ولأنها عبارة عن مسكن، لافتًا إلى أن هناك لقاح للأنفلونزا متوفر في الصيدلية، بالإضافة إلى وجود تطعيم في المصل واللقاح للالتهاب الرئوي ويفيد أصحاب المناعة الضعيفة.
قوانين صارمة تنظم جميع مراحل عملية الدواء
وفي هذا الصدد، قال الدكتور محمد شوقي وكيل وزارة الصحة بالقاهرة إن جميع الدول بما فيها مصر، تولي أهمية كبيرة لقوانين تنظيم الدواء، إذ تختلف هذه القوانين عن تلك المتعلقة بأي منتج آخر، وتأتي هذه الأهمية من أن الدواء يتعامل بشكل مباشر مع صحة المواطنين، لذلك وضعت الدولة قوانين صارمة تنظم جميع مراحل عملية الدواء، بدءًا من التصنيع وصولًا إلى توزيعه للمواطنين.
وأشار الدكتور محمد شوقي إلى أن هناك بعض الأشخاص يقومون بشراء الأدوية دون الرجوع إلى الطبيب، مما يعرض صحتهم للخطر، بالإضافة إلى ذلك تتواجد عيادات غير مرخصة تبيع الأدوية، مما يشكل هذا انتهاكًا للقوانين، التي تفرض قيودًا صارمة على تداول الأدوية وبيعها، حيث يُسمح بذلك فقط للصيادلة من خلال صيدليات تخضع لرقابة دقيقة.
سبب استمرار تداول الأدوية المغشوشة
وعن سبب استمرار تداول الأدوية الغير معتمدة من الوزارة، قال الدكتور محمد شوقي، تكمن في ثلاثة أسباب رئيسية، وهي استمرار الناس في شراءها عن طريق مواقع التواصل ومن مصادر مجهولة، لذا يجب امتناع الناس عن شراء أي دواء يتم بيعه خارج الصيدلية، والعامل الثاني في استمرار تداول الأدوية المغشوشة أنه قد يكون الشخص يبحث عن دواء غير متاح في مصر لأنه غير مرخص في البلاد، ولكن له بديل موجود بنفس الخصائص فيقوم الأشخاص الذي يغشون الدواء بتزييف علبة الدواء وبيعه للمواطن على أنه الدواء الغير متاح الذي يريده.
واستطرد الدكتور محمد شوقي، أن العامل الثالث هو أن الناس تسعد بالخصم والعرض رغم أن الدواء مسعر جبري وله قانون خاص بالتسعيرة، مضيفا أن الدواء والوقود فقط هما المسعران جبري في مصر ولهم هامش ربحي ثابت، لذا ليس من المنطقي أن يكون هناك عرض علبة معها علبة هدية أو خصم 50%، كما يوجد في الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي وبالتالي فإن هذا الدواء مصنع في أماكن غير مطابقة للمواصفات، لذلك يجب وصف الدواء من قبل طبيب ويتم صرفه من قبل صيدلي وإلا يعرض الشخص نفسه للمرض.
محاربة الغش الدوائي
وأكد شوقي أن مايخص الأمن القومي وصحة المواطن مثل غش الدواء لا تستطيع جهة رقابية واحدة بمفردها العمل عليها، ولكن يجب تعاون كافة المؤسسات والجهات الرقابية من أجل محاربة هذا الغش الدوائي، مشيرا إلى أن الدولة تقوم بالتتبع الدوائي وهو عبارة عن برنامج تقوم وزارة الصحة بتنزيله على الهاتف يقوم بقراءة بار كود مختلف موجود على علبة الدواء فيعطي بياناتها وتاريخ تصنيعها وهل هي مغشوشة أم لا.
واختتم أن كل عبوة دواء باتت تحمل رمزًا فريدًا يتضمن معلومات شاملة، بدءًا من تاريخ الإنتاج والصلاحية ومكان التصنيع، وصولاً إلى معلومات عن رحلة الدواء من المصنع إلى الصيدليات، مضيفا أن هذا النظام لتتبع الدواء والتحقق من عدم تلاعب أو تزوير في أي مرحلة من مراحل التوزيع، مؤكدا أن تفعيل هذا النظام يتطلب تجهيز الصيدليات بالأدوات التقنية اللازمة لقراءة رموز الاستجابة السريعة وتسجيل البيانات، مما يسهم بشكل كبير في كشف الأدوية المغشوشة أو الفاسدة ومنع دخولها للأسواق المصرية.