بينما يجلس الأب داخل منزله تأخده ذاكرته إلى الماضي حيث كان طفلًا, يستعيد مشاهد من الطفولة المليئة بالمغامرات وممارسةالألعاب الشعبية
التي لم يمر يوم دون أن يركضون في شوارع قريتهم يلعبون بحرية "السبع حجرات,استغماية,وغيرها وغيرها,لتقع عينيه على ابنه صاحب السبع سنوات ليجده منكبًا على وجهه مُمسكًا بهاتفه الذكي وحيدًا, حائرًا بين ألعابه الإلكترونية,غارقًا في عالمه الافتراضي دون أصدقاء دون حكايات .
يحكي الأب الأربعيني "عندما استرجعت بالذاكرة طفولتي مع أصدقائي وماكنا نفعله في الماضي من مرح ولعب دون قيود, في تلك اللحظة، شعرت كيف تغيّر الزمن وتغّيرت معه متطلبات الأطفال واهتمامتهم.
تلك الصورة التي تُبرز الفروقات الواضحة بين الماضي والحاضر,ماهي إلى مشهد بسيط في حياة الأطفال اليومية, لا صوت يعلو هنا فوق صوت الهاتف والألعاب الإلكترونية .
طفل جديد كل نصف ثانية يستحدم الهاتف
كشفت إحصائية لمنظمة اليونيسف أن أكثر من 175,000 طفل يستخدمون شبكة الإنترنت للمرة الأولى في كل يوم يمر، أي بمعدل طفل جديد كل نصف ثانية.
وحذّرت المنظمة المعنية بالأطفال من أنه على الرغم من الفرص والفوائد العديدة التي تتيحها إمكانية الوصول الرقمية لهؤلاء الأطفال، إلا أن الإنترنت يُعرّضهم أيضاً لطائفة من المخاطر والأضرار، بما في ذلك الوصول إلى محتويات مؤذية، والاستغلال الجنسي والإساءات الجنسية، والتنمّر الإلكتروني، وإساءة استخدام معلوماتهم الشخصية.
الباحث في علم التراث الشعبي غير المادي مصطفى كامل أكّد لـ"بلدنا اليوم" أن الألعاب الشعبية كانت سائدة عند المصري القديم وكان يُمارسها باستمرار ,أم مع التقدّم التنكولوجي الهائل فقدت تلك الألعاب قيمتها بشكل كبير وأصبحت الألعاب الإلكترونية وسيلة الأطفال المُفضّلة للتسلية .
وأضاف باحث التراث أن الألعاب الشعبية مثل "التريك تراك,الاستغماية,الدبور,الحجلة,وغيرها تلعب دورًا كبيرًا في تنمية الابتكار والإبداع لدى الأطفال وتجعلهم أكثر سعادة وتُمكنّهم من تفريغ طاقتهم السلبية .
روابط اجتماعية مفقودة في عصر التنكولوجيا
"بنتي عندها خمس سنين ,وطول الوقت قاعدة على التليفون,بحاول أخده منها بس هي بترفض,لدرجة أنها ولا بقت تتكلم معايا ولا مع باباها ,تقول سلوى هاشم أم ثلاثينية لثلاثة أطفال من محافظة القليوبية.
تضيف سلوى لـ"بلدنا اليوم" ,طول اليوم عايشين مع نفس المشاهد المُتكررة كل واحد ماسك تليفونه بيضحك مع نفسه واللي يلعب مع نفسه ومبقاش في ترابط اجتماعي ,قائلة "التليفونات دي فرقت بين الناس وبعضها وعملت فجوة كبيرة بين العائلة الواحدة.
يتذكر سعيد حامد أيام طفولته التي كانت تعُجّ بالنشاط والحيوية يتجمّع يوميًا مع جيرانه وأصدقائه يلعبون ويمرحون في الشارع وفي حديقة المنزل .
ويضيف "أيام طفولتنا كانت أحسن من دلوقتي كان الواحد بيفرغ طاقته وبيتحرك وبيلعب ألعاب مختلفة مع زي "البلي,الكورة,استغماية ,لكن دلوقتي التليفونات دمّرت عقول الأطفال
دراسة علمية حديثة أُجريت في العام 2021 كشفت خطورة استخدام الأطفال الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية مشيرة أن إدمان الأطفال لألعاب الموبايل يمكن أن يصيبهم بالصرع.
وأكّدت الدراسة حينذاك أن ألعاب الفيديو وألعاب الموبايل تروّج للعنف، الأمر الذي يدفع الأطفال إلى تطوير ميول عنيفة.
وأكّدت وزارة الصحة المصرية أن 15٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و11 عامًا يعانون من أعراض إدمان الإنترنت، بينما ارتفعت النسبة إلى 28٪ بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عامًا,وفقًا لدراسة علمية حديثة.
الدكتورة أمينة عبد الله سالم – تخصص الانثروبولوجيا والفولكلور بكلية الآداب جامعة حلوان كشفت لـ"بلدنا اليوم" أن التكنولوجيا قامت بعملية إحلال ثقافي وفكري للمفاهيم التي تتربى عليهم الأطفال,وسلبت من الأطفال حُب المغامرة والشغف والتعاون لأنها تسبّبت في العزلة للأطفال حيث يلعب كل طفل على هاتفه بمفرده.
وأوضحت أن الألعاب الشعبية التقليدية كانت تُساهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية وخلق روح من المنافسة والابتكار وتنمية الفكر والخيال,مشيرة أن فقدان الجو الأسري ساهم بشكل كبير في الاعتماد على الألعاب الإلكترونية والتخلّي عن الألعاب الشعبية.
وأكّدت في حديثها لـ"بلدنا اليوم" أن الأسرة يقع على عاتقها دورًا كبيرًا في خلق المزيد من وسائل الترابط بين العائلة والابتعاد على الاستخدام المفرط للهواتف, وهو مايتطلب مجهودًا كبيرًا في ظل التقدّم التكنولوجي,من خلال مناقشات الطفل والحديث معه في الأمور الحياتية ,وتنمية مهارات الطفل من خلال ممارسة رياضة مُعيّنة.
واستكملت "الأنشطة البدنية ضرورة جدًا لكل طفل,وأكّدت أن الأندية ومراكز الشباب لها دور في تتمية مهارات الطفل ,وتساهم أيضًا في اكتساب علاقات اجتماعية حيث أن تنشيط جسد الطفل يؤدي إلى تنشيط الفكر لديه ويساعده في التخلّي عن العنف.
الخوف ..دوافع الآباء للتخلّي عن الألعاب الشعبية
يجد العشرات من أولياء الأمور أنفسهم حائرين بين ترك صغارهم لساعات طويلة أمام الشاشات الذكية وبين اللعب واللهو في الشارع ,وفضّل الأغلبية بعد عمل استبيان وتوزيعه على 10 أشخاص ,أن يظل أبناؤهم أمام أعينهم داخل المنزل دون الحاجه لمراقبتهم ,مؤكّدين أن الأطفال يتعرّضون لمخاطر في حال تركهم خارج المنزل.
دور المدارس
بدأت عدد من المدارس بتخصيص يومين رياضيين للأطفال لممارسة اللعب الجماعي بهدف تعزيز مفهوم التعاون والحفاظ على النشاط البدني والعقلي للأطفال , و خلق بئية ترفيهية جديدة لهم .