في هذا الأسبوع، يحتفل المصريون بذكرى مولد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما في القاهرة، حيث يتوافد الآلاف على مسجد الإمام الحسين، تعبيرًا عن حبهم واحترامهم لآل البيت، ومع تجدد الاحتفالات السنوية، يثار نقاش حول الموقع الفعلي الذي استقر فيه رأس الإمام الحسين، وسط تضارب الروايات بين المؤرخين والباحثين.
روايات تاريخية متعددة حول مكان الرأس
يوضح الدكتور عبدالحليم العزمي، الأمين العام للاتحاد العالمي للطرق الصوفية ومؤلف موسوعة "سيرة أهل البيت"، أن هناك اختلافات كبيرة بين المؤرخين حول المكان الذي استقر فيه رأس الإمام الحسين رضي الله عنه بعد واقعة كربلاء. فقد وردت عدة روايات، منها أن الرأس عاد مع السبايا إلى المدينة المنورة ودُفن بالقرب من روضة السيدة فاطمة الزهراء، بينما تشير رواية أخرى إلى دفنه في كربلاء بجوار الجسد الشريف. وهناك من يرى أن الرأس بُقي في دمشق أو دُفن بمسجد الرقة على نهر الفرات.
أما الرواية السائدة لدى المصريين، فهي التي تقول بأن الخلفاء الفاطميين نقلوا الرأس من دمشق عبر عسقلان إلى القاهرة، وهو ما يتفق عليه الكثير من المؤرخين المصريين الذين يؤكدون استقرار الرأس في مصر.
رأي الآثار ودعم الفاطميين للرواية المصرية
تستند عالمة الآثار المصرية الدكتورة سعاد ماهر، الأستاذة بكلية الآثار جامعة القاهرة، إلى دلائل تاريخية وأثرية تدعم فكرة وجود الرأس الشريف في مصر. وفقًا لروايتها، فإن الرأس وُضع في البداية في خزائن السلاح بدمشق، ثم نُقل إلى عسقلان ودفن هناك على ساحل البحر المتوسط. وعندما سيطر الفرنجة على عسقلان، قام الوزير الفاطمي الصالح طلائع بن رزيك بدفع مبلغ كبير من المال لاستعادة الرأس الشريف.
تؤكد المصادر التاريخية أن الخليفة الفاطمي في القاهرة استقبل الرأس بموكب مهيب، حيث خرجت حشود من الجيش والمواطنين لاستقباله عند منطقة الصالحية، وحضر الخليفة بنفسه حافيًا تعظيمًا لهذا الحدث، كما ذكر الإمام الشعراني في كتابه "طبقات الأولياء".
شهادات مؤرخين ودعم علماء الآثار
يشير العزمي إلى أن عددًا كبيرًا من المؤرخين والباحثين الأثريين يؤكدون استقرار الرأس في مصر، من بينهم ابن الأثير والذهبي والمؤرخ ابن الأورق، الذي قال إنه حضر بنفسه مراسم استقبال الرأس الشريف في مصر وشارك مع المصريين في هذا الاحتفال الكبير.
ومن الناحية الأثرية، تبرز الدكتورة ماهر أن عدم وجود ذكر لاسم الإمام الحسين على اللوحة التي عُثر عليها في المدينة المنورة في القرن الرابع الهجري، يُعزز من الشكوك حول دفن الرأس هناك. فقد كانت هذه اللوحة تحمل أسماء عدد من أفراد آل البيت المدفونين بالبقيع، مما يرجح أن الرأس لم يكن مدفونًا في المدينة.
استبعاد روايات المدينة وكربلاء
يرفض العزمي وبعض العلماء فكرة استقرار الرأس في كربلاء أو المدينة المنورة. ويقول العزمي إنه من غير المنطقي أن يُعيد يزيد بن معاوية الرأس إلى كربلاء، لاسيما وأنها كانت مركزًا لأنصار الإمام الحسين من الشيعة، كما أن الخليفة المتوكل، عندما أمر بهدم القبر في كربلاء عام 236 هـ، لم يُعثر على أثر للرأس.
أما بخصوص دفنه في المدينة، فإن المؤرخ المسعودي ذكر وجود لوحة تشير إلى دفن عدد من أفراد آل البيت في البقيع، دون الإشارة إلى الإمام الحسين، مما يُعزز فكرة عدم دفن الرأس هناك.
مسألة تاريخية لا عقائدية
في ختام الحديث، يؤكد العزمي أن قضية مكان استقرار رأس الإمام الحسين هي مسألة تاريخية وليست مسألة عقائدية أو دينية. ويشدد على أن الإيمان بهذه الروايات لا يترتب عليه تكفير أو إيمان، بل هو مجرد نقاش تاريخي.