أصبحت مهنة البوابين في مصر لا تقتصر فقط على حراسة عقار بعينه أو أو مراقبة الأشخاص أثناء دخولهم وخروجهم إلى العقار,بل تغيّر دورهم شيئًا فشيئًا ,حيث اتجّه عدد كبير منهم إلى مهنة "السمسار" التي من خلالها يتقاضى مبالغ مالية مقابل تأجير أو بيع الوحدات السكنية,والبعض الأخر أصبح يُضاف إلى مسؤولياته مجموعة جديدة من الخدمات التي يُقدّمها للسُكّان مقابل أجر.
على مدخل العمارة يجلس سيد "البيه البواب" واضعًا رجل على رجل ,ممسكًا بيده كوبًا من الشاي يتناوله رشفة رشفة ,وتقوم زوجته التي جلبها معه للقيام بمهام التنظيف لسكان "المبنى" ويتقاسم أبناؤه توصيل الطلبات للسكان مقابل "الدخان",بعدما حرموا من إكمال دراستهم.
ويُحرم أبناء البوابين من إكمال دراستهم حرصًا منهم على مساعدة والدهم وتوصيل الطلبات للسكان ,يقول محمد ابن "البواب" ,يبلغ من العمر 10 سنوات "إحنا عايشين كلنا في أوضة واحدة تحت بير السلم,والسكان بيعاملونا بتكبّر معرفش ليه.
يضيف الطفل لـ"بلدنا اليوم" "أبويا قالي مفيش تعليم عشان اشتغل معاه وعشان هو كبر في السن ومش هيقدر على خدمة السكان لوحدة.
بواب بدور متطفّل
لا صوت يعلو هنا فوق صوت البوابين,فأنت غير مُصرّح لك التعامل بحرية داخل مسكنك حتى ,تستضيف من ترغب وتأتي وقتما تشاء بعدما أعطى حارس العمارة لنفسه الحق في التحكم في قراراتي ومراقبتي حينما أعود.
وجدت منار الفتاة العشرينية التي أجبرتها الدراسة على السكن بمدينة السادس من أكتوبر,نفسها تعيش تحت رحمة بواب العمارة ,الذي يتساءل حال عودتها متأخرة كنتي فين لحد دلوقتي؟,بل إنها لم تسلم أيضًا من استفساراته وتدخلاته في حياتها الخاصة ممارسًا عليها دور الأب كما تقول لـ"بلدنا اليوم".
أما المشكلة الثانية التي تواجه السكان هي اكتظاظ المدينة بالبوابين وأسرهم مايتسبب في تحوّل المدن الجديدة إلى مناطق أشبه بالشعبية .
ويقول كريم عادل 39 عام من سكان مدينة 6 أكتوبر لـ"بلدنا اليوم" ,"إحنا كسكان مابقيناش نشوف حارس العقار أصلا لأنه مشغول في القيام بمهام أخرى ,بواب عمارتنا جاب توكتوك واشتغل عليه في المدينة وساب مراته وابنه هما اللي يشوفوا مطالب السكان
المدن الجديدة ..سوق رائجة للبوابين
وأكّد الدكتور حسن الصادي، أستاذ اقتصاديات التمويل بكلية تجارة جامعة القاهرة ، خلال مقابلته، لـ «برنامج مصر جديدة»، مع الإعلامية إنجي أنور، المذاع على قناة etc، أن بعض حراس العقارات يتعدى رواتبهم الـ 10 آلاف جنيه، كونه يعمل وزوجته تعمل، بالإضافة إلى أبنائه، وفي النهاية يطالب بالدعم، وفي المقابل تجد أستاذ جامعي أكثر احتياجًا للدعم من حارس العقار أو بعض سائقي التوك توك.
عادة ماتكون المدن الجديدة محط أنظار البوابين بحثًا عن مأوى لهم ,ففي مدينة بدر الواقعة على بعد 46 كم من محافظة القاهرة يسكن المئات من "حراس العمارات" بصحبة أسرهم بعدما نزوحوا من صعيد مصر ,فلم يعد يقتصر دور البواب فقط على حراسة المبنى أو شراء متطلبات السكان فحسب بل امتدت أعماله إلى "السمسرة" وهو ماسلّطت عليه السينما المصرية الضوء في فيلم "البيه البواب".
يشكو خالد من اكتظاظ المدن الجديدة بالبوابين "هيحولوها لمنطقة شعبية" يقول الشاب الأربعيني.مضيفًا لـ"بلدنا اليوم" حارس العمارة أصبح يمنح نفسه الكثير من السلطات دون وجه حق كالتدخل في شؤؤون السكان إضافة إلى اتجاهه إلى أعمال السمسرة وخاصة في المدن الجديدة
بجوار لافتة مكتوب عليها "متاح شقة إيجار مكونة من غرفتين" يجلس حارس العقار ليمارس أعمال "السمسرة" محاولًا إقناع الراغبين في الإيجار بمميزات "الشقة المُعلن عنها" .
تحكي أم ياسين قائلة "انتقلنا إلى مدينة 6أكتوبر من مدة قصيرة لنكون بالقرب من عمل زوجي وعند التجول في المدينة بحثًا عن مسكن, نجد في كل شارع حارس عمارة يعرض علينا شقة متشطبة بالكامل وأخرى مفروشة مقابل مبلغ كبير جدًا,وبعد مفاوضات كثيرة مع حارس العقار الذي وضع شروطه وكأنه "مالك العقار" ,امتلكنا الشقة بشروط "البواب" على حد قولها.
يشاركها الرأي سعيد كمال 51 عامًا ,أكد أن البوابين في مصر أصبحوا من الأثرياء بعد سيطرتهم بالكامل على المدن الجديدة,فمنهم من يعمل سايس ومنهم من يقوم بنقل السكان بعد شراء سيارة أو توكتوك خاصة به.
مضيفًا "البوابين" في مصر واخدين حقهم "تالت ومتلت",دول بقوا أغنى من مُلّاك العمارات نفسهم ,ده غير السمسرة وتجارة العقارات اللي بقى بيشتغل فيها كل البوابين.
ويرفض روماني 45 سنة ,ويعمل حارس عقار بمنطقة حدائق الأهرام كل الاتهامات الموجّهة إلى "البوابين" في مصر ,جايين على الغلابة اللي قاعدين في أوضة تحت السلم وتتكلموا عليهم حسبما قال,مضيفًا أن البوابين يحاولون تحسين دخلهم لأن مايدفعه لهم صاحب العقار "مبلغ بسيط جدًا" لا يكفي احتياجات أولاده وزوجته وخاصة في ظل ارتفاع الأسعار.
راحة بالي مقابل مبلغ مالي
لم تجد دينا التي تعمل مُدرّسة "32 عامًا"طريقًا للتعامل مع حارس العمارة سوى "مزيد من المال مقابل مزيد من عدم التطفل" حسبما قالت ,كنت في الداخله والخارجة يقولي رايحه فين وجايه منين وخاصة إني عايشه هنا لوحدي أنا وبنتي "3 سنوات" بعدما انفصلت عن زوجي منذ قرابة العام ونصف.
كل اللي بعمله عشان أخليه يحلّ عن دماغي "أديله فلوس" ياخدها ويبوس إيده ويقولي "من يد مانعدمهاش",تضيف دينا البواب بقى بيتعامل معايا بطريقة أفضل بكتير من الأول وبقى مهتم بطلباتي حتى "مراته" بقت تطلع تشوفني محتاجه إيه .
أما سميرة التي تقطن مدينة بدر برفقة زوجها كان لها طريقتها الخاصة في التعامل مع "مرات البواب" فتحرص الفتاة العشرينة على تقديم أصناف متنوعة من الطعام لمرات البواب",كل يوم وأنا نازلة أعدي عليها الأكل وهي بتكون مبسوطة جدًا وتفضل تدعيلي كتير ,ده طبعا غير إني على طول بديه الملابس بتاعتي اللي مش هلبسها تاني .
"بواب" على الطريقة المودرن
لم يعد مفهوم البواب الذي يرتدي الجلباب والعمة هو السائد في الوقت الحالي ,فبعد أن تحرّر البواب من جلبابه وأصبح يسير على خطى أولاد الأكابر.اتجه البعض لإكمال مسيرته التعليمية ليصبح قادرًا على مواكبة التطورات الحاصلة ,أنا كملت تعليمي اللي اتحرمت منه وأنا صغير بسبب ظروف أبويا المادية وكمان عشان أشرّف ابني أدام صحابه بهدذه الكلمات بدأ عاصم "حارس عقار" حديثه لـ"بلدنا اليوم
وأضاف عاصم " مابقاش "البواب" زي زمان كل حاجه اتغيرت واتطورت يبقى إحنا مش هنتطور,الناس واخده فكرة سيئة عن البوابين وإنهم لازم يبقوا مش متعلمين ولكن هذه الفكرة أصبحت غير موجودة في الوقت الحالي.
مشروع قانون لم يخرج للنور
وعن فكرة قانون يحميهم رحّب عاصم بالفكرة ولكن شريطة ألا يُقيّدهم القانون بوظيفة واحدة ومرتب مُحدد حيث أنهم يتقاضون مبالغ مالية زهيدة مقابل حراسة العمارة إضافة إلى الدخان الذي يحصل عليه مقابل الخدمات التي يقدمها للسكان كغسيل السيارات وشراء الطلبات من السوبر ماركت.
وتقدّم النائب محمد الحسينى، وكيل لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، بمشروع بقانون خاص بترخيص مزاولة مهنة حارس العقارات في عام 2018 ,ولكن لم يخرج القانون للنور.
والقانون كان يهدف لضرورة إلزام من يعمل بوظيفة حارس للعقار بالحصول على ترخيص من مديرية الأمن التى يتبعها العقار محل العمل، ما يضمن إعداد قاعدة بيانات عن جميع العاملين فى تلك المهنة، على مستوى الجمهورية.
وإضافة شروط إجادة القراءة والكتابة وتقديم عقد العمل وتقديم شهادة التأمينات الاجتماعية لتفيد التأمين الاجتماعى كشروط أساسة للحصول على الترخيص لمزاولة المهنة، كما حدد القانون مدة الترخيص بخمس سنوات قابلة للتجديد وتعديل رسم الترخيص بما لا يجاوز 50 جنيها وتغليظ العقوبات وجعلها مالية فقط دون العقوبات الجسدية.