أحمد محمد إدريس، أحد الأبطال المصريين الذين أسهموا بفكرهم في تحقيق نصر كبير للأمة خلال حرب أكتوبر 1973.
قد لا يكون اسمه مألوفًا لدى الكثيرين، إلا أن بصمته العسكرية كانت فريدة من نوعها؛ إذ كان العقل المدبر وراء استخدام اللغة النوبية كشيفرة سرية لتأمين الاتصالات العسكرية، وهي الخطوة التي لعبت دورًا حاسمًا في الحفاظ على سرية العمليات المصرية ضد العدو الإسرائيلي.
عبر هذا الإنجاز، أثبت إدريس أن البطولات ليست فقط في ميدان القتال، بل يمكن أن تكون عبر ابتكار الأفكار التي تغير مجرى التاريخ.
النشأة والتعليم
وُلد أحمد محمد إدريس في قرية توماس وعافية بالنوبة في جنوب مصر عام 1935، نشأ وترعرع في بيئة نوبية محافظة، وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية في عام 1952، بعد إنهاء دراسته، انتقل للعيش مع شقيقه الأكبر في حي حدائق القبة بالقاهرة.
المسيرة العسكرية
انضم أحمد إدريس إلى القوات المسلحة المصرية في عام 1954، حيث خدم في العديد من المهام العسكرية على مدار عقود.
شارك في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وحرب اليمن، وظل متمركزًا في صحراء سيناء منذ عام 1957 حتى حرب 1967.
ولكن أبرز مساهماته كانت خلال حرب أكتوبر 1973، حيث كان له دور حاسم بفكرته المبتكرة باستخدام اللغة النوبية كشيفرة عسكرية غير قابلة للاختراق.
استخدام اللغة النوبية في الشيفرة
في عام 1971، وبينما كان إدريس يخدم في حرس الحدود، لاحظ الرئيس الراحل أنور السادات قلق الجيش المصري من قدرة العدو على فك شيفرات الاتصالات العسكرية.
بذكاء فطري، اقترح إدريس استخدام اللغة النوبية كشيفرة، نظرًا لأنها لا تُكتب ولا تُقرأ، مما يجعلها وسيلة آمنة تمامًا للتواصل.
هذه الفكرة كانت تحولًا استراتيجيًا في سير المعركة، وأصبحت النوبية لغة الاتصالات العسكرية السرية التي ساعدت في الحفاظ على سرية العمليات خلال الحرب.
بعد اقتراحه الفكرة، تم تقييد إدريس بالأغلال وأحضره القادة سرًا إلى الرئيس أنور السادات، الذي أبدى إعجابه بالفكرة، وأمر بنشر 344 جنديًا نوبيًا لتولي مهمة نقل الشيفرات والإشارات العسكرية.
التكريم والاعتراف
رغم مرور أكثر من 40 عامًا على دوره الهام في حرب أكتوبر، ظل أحمد إدريس محافظًا على سرية ما قدمه حتى عام 2017، حيث تم تكريمه من قبل الدولة المصرية بمنحه وسام النجمة الذهبية تقديرًا لدوره البارز.
وفي العام نفسه، ظهر في لقاء متلفز تحدث فيه لأول مرة عن الدور الذي لعبته النوبية في انتصار أكتوبر.
وفاته وإرثه
توفي أحمد إدريس في 21 سبتمبر 2021، عن عمر يناهز 84 عامًا، ونعته أسرته في الصحف المصرية، ودُفن في مقابر الأسرة بمنطقة كينج مريوط بالإسكندرية.
يبقى إرثه خالدًا كرمز للتضحية والإبداع العسكري، حيث نجح بفكرته البسيطة في تأمين واحدة من أهم العمليات العسكرية في التاريخ المصري الحديث.
اللغة النوبية وأهميتها
اللغة النوبية هي لغة القبائل النوبية المنتشرة في مصر والسودان وبعض الدول الأفريقية، ورغم أنها كانت حيوية خلال حرب أكتوبر، إلا أن النوبية الآن مهددة بالاندثار، يعمل المتطوعون جاهدين للحفاظ على هذا التراث اللغوي الغني، الذي يمتد لآلاف السنين ويعتبر من أقدم لغات العالم.