في 2 أكتوبر من عام 1187، حدثت نقطة تحول تاريخية بارزة عندما تمكّن المسلمون بقيادة القائد الشجاع صلاح الدين الأيوبي من استعادة مدينة القدس من قبضة الصليبيين، بعد حصار طويل استمر من 20 سبتمبر إلى 2 أكتوبر من العام نفسه.
انتهى هذا الحصار بتحرير القدس، مما أنهى فترة احتلال الصليبيين للمدينة التي استمرت لمدة 88 عامًا منذ سيطرتهم عليها خلال الحملة الصليبية الأولى عام 1099.
السياق التاريخي: معركة حطين والتمهيد لتحرير القدس
قبل تحرير القدس، كانت معركة حطين التي وقعت في 4 يوليو 1187 بين القوات الإسلامية بقيادة صلاح الدين وجيش الصليبيين نقطة مفصلية، في هذه المعركة، حقق صلاح الدين نصرًا كبيرًا، حيث تمكن من سحق جيش الصليبيين بالكامل وأسر قادتهم البارزين مثل ملك القدس غي دي لوزينيان.
كان انتصار حطين بمثابة انهيار دراماتيكي للنفوذ الصليبي في بلاد الشام، وفتح الطريق أمام صلاح الدين لاستعادة المدن الساحلية والمدن الكبرى التي كانت تحت سيطرة الصليبيين.
استعادة المدن الكبرى
بعد معركة حطين، بدأ صلاح الدين بحملة واسعة لاستعادة المدن الفلسطينية التي كانت في يد الصليبيين، حيث نجح في استرجاع عدة مدن هامة منها عكا، الناصرة، حيفا، نابلس، جنين، بيسان، يافا، صيدا، بيروت، الرملة، بيت لحم، والخليل.
كما حقق إنجازاً استراتيجياً باستعادة مدينة عسقلان، التي كانت مفتاحاً للدفاع عن القدس من الجهة الجنوبية.
حصار القدس
في 20 سبتمبر 1187، بدأ صلاح الدين حصاره لمدينة القدس، التي كانت تحت سيطرة الصليبيين منذ أواخر القرن الحادي عشر، استمرت عمليات الحصار لمدة 12 يومًا، حيث حاول الصليبيون في المدينة الصمود ولكنهم وجدوا أنفسهم محاصرين من جميع الجهات، بفضل خبرته العسكرية الفذة واستراتيجياته المحكمة، تمكن صلاح الدين من فرض شروط الاستسلام على المدافعين عن المدينة.
وفي 2 أكتوبر 1187، تم الاتفاق على تسليم المدينة سلمياً، وذلك بعد مفاوضات بين صلاح الدين وبلدوين الرابع قائد الحامية الصليبية في القدس.
وافق صلاح الدين على السماح للصليبيين بمغادرة المدينة بأمان مقابل فدية، وأظهر رحمة كبيرة في تعامله مع السكان المسيحيين مقارنةً بالقسوة التي أبداها الصليبيون عند سيطرتهم على المدينة قبل 88 عامًا.
تأثير تحرير القدس
أدى تحرير القدس إلى انتهاء فترة طويلة من السيطرة الصليبية على المدينة المقدسة، وأعاد المدينة إلى كنف العالم الإسلامي، كما مثلت استعادة القدس ضربة معنوية قوية للصليبيين، ودفعت بالغرب الأوروبي إلى تنظيم الحملة الصليبية الثالثة بقيادة شخصيات بارزة مثل الملك ريتشارد قلب الأسد، ومع ذلك، لم يتمكن الصليبيون من استعادة القدس خلال تلك الحملة.
الرحمة والتسامح في عهد صلاح الدين
يُذكر تحرير القدس كمثال على الرحمة والتسامح الذي أظهره صلاح الدين تجاه سكان المدينة، حيث لم تُسجل حالات انتقام جماعي أو مذابح كما حدث عندما استولى الصليبيون على المدينة عام 1099، هذا السلوك الرحيم عزز من سمعة صلاح الدين كقائد نبيل في التاريخ الإسلامي والعالمي.
إرث تحرير القدس
تحرير القدس كان محطة فارقة في تاريخ الحروب الصليبية، وجعل من صلاح الدين رمزًا للنضال ضد الاحتلال الأجنبي وللعدالة الإسلامية.
يُعتبر تحرير المدينة واستعادة الأرض جزءًا مهمًا من الذاكرة الجماعية للعالم الإسلامي والعربي، حيث لا تزال ذكرى هذه الأحداث تلهم الأجيال وتُستحضر في المناسبات الوطنية والدينية.