أكّد الدكتور إسلام جمال الدين شوقي خبير اقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، أن الدولة المصرية تسعى جاهدةً لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتعزيز قدرتها على الصمود أمام الأزمات الاقتصادية المختلفة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المتزايدة والتغيرات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط لذلك تبرز أهمية مشروع توطين صناعة الدواء في مصر كأحد أهم المبادرات الاستراتيجية التي تتبناها الحكومة من أجل تحقيق هذه الأهداف، ولا تقتصر أهمية هذا المشروع الطموح في تلبية احتياجات السوق المحلية فحسب، بل تمتد لتشمل تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة الدواء في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
وأضاف الخبير اقتصادي في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم" أن تُعدُ صناعة الدواء في مصر من الصناعات الاستراتيجية التي تمس الأمن القومي، وتكتسب هذه الصناعة أهمية خاصة نظرًا لحجم السوق الكبير والاحتياجات المتزايدة للسكان. حيث تحتاج مصر إلى ما يقدر بنحو 250 مليون دولار شهريًا لتغطية احتياجاتها من الدواء والمستلزمات الطبية، ويُمثل هذا الرقم بالطبع ضغط على مصر نظرًا لما يتطلبه من توفير للعملة الأجنبية اللازمة لاستيراد الأدوية والمواد الخام اللازمة لتصنيعها لذلك يصبح توطين صناعة الدواء ضرورة ملحة وليس مجرد خيار.
وأضاف الدكتور إسلام أن تبنت الحكومة المصرية استراتيجية متعددة المحاور لتحقيق توطين صناعة الدواء والتي يأتي من بينها مشروع الشراء المجمع للمواد الخام، والذي يعد حجر الزاوية في جهود توطين صناعة الدواء لذلك تجهز الحكومة لعقد مؤتمر يتم فيه الإعلان عن وضع الأسس والمعايير الخاصة بهذا المشروع وذلك بحضور كبرى الشركات المصنعة والمنتجة للمواد الخام مما يعزز من قدرة مصر التفاوضية مع الشركات العالمية المنتجة للمواد الخام وتوفيرها بأسعار تنافسية من خلال الاستفادة من اقتصاديات الحجم، وضمان استمرارية توريد هذه المواد لتجنب الانقطاعات التي قد تؤثر على إنتاج الأدوية.
وأضاف خبير اقتصادي أن لا شك أن هذا النهج يعكس رؤية الدولة في إقامة شراكات استراتيجية بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، ويأتي الهدف من هذه الشراكات في نقل أحدث التكنولوجيا في مجال صناعة الدواء إلى مصر، وتطبيق أفضل الممارسات العالمية في صناعة المواد الخام الدوائية، كما تهدف هذه الشراكات إلى فتح أسواق جديدة للمنتجات الدوائية المصرية من خلال الاستفادة من شبكات التوزيع العالمية للشركات الكبرى.
وتابع الدكتور إسلام أن أدركت الحكومة أهمية توفير البنية التحتية اللازمة لدعم صناعة الدواء، ومن أبرز المشاريع في هذا المجال مشروع المخازن الاستراتيجية للمنتجات والأجهزة الطبية والذي يمتد على مساحة إجمالية تصل إلى 106 ألف فدان، موزعةً على 6 مواقع على مستوى الجمهورية، ومن المقرر أن تبدأ المرحلة الأولى من هذا المشروع في النصف الأول من عام 2026، وتأتي أهمية مدينة الدواء كأحد أهم المشاريع في هذا المجال حيث تُعدُ هذه المدينة واحدة من أكبر المدن الدوائية في الشرق الأوسط وتستخدم أحدث التقنيات والوسائل التكنولوجية، وتتميز بأنظمة التنظيف الذاتي الإلكتروني، مما يساعد على استمرار الإنتاج في المصانع بكفاءة عالية.
وبرغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة لتوطين صناعة الدواء، إلا أن هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها حيث تواجه صناعة الدواء المصرية منافسة شرسة من الشركات العالمية الكبرى التي تتمتع بميزانيات ضخمة للبحث والتطوير وشبكات توزيع عالمية، كما أن توطين صناعة الدواء يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتكنولوجيا والموارد البشرية، ورغم الجهود المبذولة لتوطين صناعة المواد الخام، إلا أن مصر لا تزال تعتمد بشكل كبير على استيراد هذه المواد، مما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية وسلاسل التوريد.
وأشار الخبير الاقتصادي إلي أن تحتاج صناعة الدواء إلى إطار تنظيمي قوي وفعال لضمان جودة المنتجات وسلامة المستهلكين، مع الحفاظ على مرونة كافية لتشجيع الابتكار والاستثمار، ومع ذلك فإن هذه التحديات تقابلها فرص كبيرة حيث يوفر عدد سكان مصر الكبير والمتزايد سوقًا محليًا ضخمًا يمكن أن يدعم نمو صناعة الدواء المحلية، كما يمكن لمصر أن تستفيد من موقعها الجغرافي المتميز لتصبح مركزًا إقليميًا لتصدير الأدوية إلى القارة الافريقية ومنطقة الشرق الأوسط، وتمتلك مصر قاعدة كبيرة من الخريجين في مجالات الصيدلة والكيمياء والهندسة، يمكن الاستفادة منها في تطوير صناعة الدواء ومع تحسين جودة المنتجات المحلية وزيادة قدرتها التنافسية، يمكن لمصر أن تزيد من صادراتها من الأدوية، مما يساهم في جلب العملة الصعبة، ومع زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الواردات، بالإضافة إلى زيادة الصادرات، سيتحسن الميزان التجاري لمصر في قطاع الدواء.
وقال اسلام الدين إن توفير الأدوية الأساسية نتيجة توافر الإنتاج المحلي بشكل مستمر، خاصةً في ظل أوقات الأزمات العالمية، سوف يعزز من الأمن الدوائي لمصر كما سيؤدي الاستثمار في البحث والتطوير إلى تعزيز القدرات الابتكارية في مصر، مما قد يؤدي إلى ظهور اختراعات وبراءات اختراع جديدة يمكن الاستفادة منها اقتصاديًا، ومع زيادة توافر الأدوية وانخفاض أسعارها، ستتحسن إمكانية الحصول على الرعاية الصحية للمواطنين المصريين.
ومن أجل ضمان نجاح منظومة توطين صناعة الدواء في مصر، يجب على الحكومة التركيز على عدد من النقاط الهامة:
- القيام بتطوير وتحديث التشريعات والقوانين المتعلقة بصناعة الدواء لتتماشى مع المعايير الدولية، مع ضمان المرونة الكافية لتشجيع الاستثمار والابتكار.
- الاستثمار في التعليم والتدريب، حيث يجب تطوير المناهج التعليمية في كليات الصيدلة والهندسة الكيميائية لتلبية احتياجات الصناعة، مع التركيز على المهارات العملية والتكنولوجيا الحديثة.
- زيادة ميزانية الاستثمار في مراكز التطوير والبحث العلمي في الدواء، وتشجيع التعاون بين الجامعات والصناعة لتطوير أدوية جديدة ومبتكرة.
- العمل على تطوير سلاسل التوريد المحلية لتقليل الاعتماد على الاستيراد وضمان استمرارية الإنتاج.
وتابع "توطين صناعة الدواء في مصر تُعدُ فرصة ذهبية لتحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد المصري وتعزيز الأمن الدوائي، ومع التخطيط الدقيق والتنفيذ الفعال يمكن لمصر أن تصبح قوةً إقليمية في مجال صناعة الدواء، مما يعود بالنفع على الاقتصاد والمجتمع المصري ككل.