في ذكرى رحيله .. الطفل محمد الدرة أيقونة انتفاضة الأقصى وشاهد على الجرائم الإسرائيلية

الاثنين 30 سبتمبر 2024 | 01:35 مساءً
الطفل الفلسطيني محمد الدرة ووالده
الطفل الفلسطيني محمد الدرة ووالده
كتب : عامر عبدالرحمن

في 30 سبتمبر عام 2000، وقعت حادثة مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة في قطاع غزة، لتصبح رمزًا لا يُنسى في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك في اليوم الثاني من اندلاع انتفاضة الأقصى.

 أثناء تواجده مع والده جمال الدرة في شارع صلاح الدين، وجدا نفسيهما محاصرين تحت وابل من الرصاص بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية، المشهد الذي التقطه المصور الفرنسي شارل إندرلان، والذي كان يعمل مراسلًا لقناة "فرانس 2"، استمر لدقائق قليلة لكنه خلد في ذاكرة العالم لسنوات طويلة.

في هذه اللقطات التي هزت الضمير العالمي، شوهد جمال وطفله محمد يحتميان خلف برميل إسمنتي، يحاولان النجاة من تبادل إطلاق النار، رغم محاولات الأب المستميتة لإيقاف النيران عبر الإشارات لمطلقيها، لم يتوقف الرصاص، وبعد لحظات من الخوف والترقب، خمد جسد محمد الصغير على ساقي أبيه، مشهد تسبب في تدفق الغضب والتعاطف من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي، واعتُبر محمد شهيدًا تجسد فيه معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي.

- الجدل حول مقتل محمد الدرة

في بداية الأمر، أعلنت قوات الدفاع الإسرائيلية مسؤوليتها عن مقتل الدرة وأعربت عن أسفها للواقعة، لكن التحقيقات لاحقًا أثارت شكوكًا حول الطرف المتسبب في إطلاق النار. 

وفي عام 2004، أشار ثلاثة من الصحفيين الفرنسيين الذين شاهدوا لقطات خاصه للحادثة إلى أنه لم يكن واضحًا من اللقطات وحدها إذا ما كان الطفل قد قُتل بالفعل، مما فتح بابًا واسعًا للتكهنات حول صحة اللقطات.

هذا الجدل استمر لسنوات، حيث اتهم المعلق الفرنسي فيليب كارسنتي قناة "فرانس 2" بالتلاعب باللقطات وتلفيق المشهد، وهو ما قاده لاحقًا إلى قضية تشهير أمام القضاء الفرنسي، وفي عام 2013، أدانت محكمة الاستئناف الفرنسية كارسنتي وألزمته بدفع غرامة مالية كبيرة، مؤكدة صحة تقرير القناة، إلا أن الحادثة بقيت محاطة بالعديد من التأويلات والإصدارات المختلفة التي استغلت سياسياً وإعلامياً من طرفي النزاع.

- تداعيات عالمية وذكرى لا تُنسى

مشهد مقتل محمد الدرة لم يكن مجرد حادثة فردية؛ بل تحوّل إلى رمز عالمي للكفاح الفلسطيني، حيث انتشرت صورته في مسيرات الاحتجاج بمختلف أنحاء العالم. وأصبح اسمه أيقونة خالدة في ذاكرة انتفاضة الأقصى، كما أُطلق اسمه على العديد من المدارس والشوارع في فلسطين والعالم العربي، تلك اللقطة البسيطة التي التقطها المصور الفلسطيني طلال أبو رحمة وزميله الفرنسي إندرلان، اختزلت مأساة شعب بأكمله، وألهمت شعوبًا عديدة للتضامن مع القضية الفلسطينية.

جمال الدرة، والد الشهيد محمد، عبر في تصريحات صحفية، عن أمنيته في أن تكون ذكرى استشهاد ابنه نقطة تحول نحو السلام والأمان والاستقرار للشعب الفلسطيني، قائلاً: "أتمنى أن يعيش أبناء فلسطين كباقي أطفال العالم، دون خوف أو قتل أو حروب".

 لكنه أشار بأسى إلى استمرار استهداف الأطفال الفلسطينيين من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مستشهداً بحوادث قتل أخرى، منها قتل الطفل فارس عودة والرضيعة إيمان حجو، وأيضاً الجريمة البشعة بحق الطفل محمد أبو خضير الذي تم حرقه حيًا.

- استهداف الأطفال الفلسطينيين: جريمة مستمرة

منذ استشهاد محمد الدرة عام 2000 وحتى اليوم، تشير الإحصاءات إلى استشهاد أكثر من 17 ألف طفل فلسطيني على يد الجيش الإسرائيلي، مما يبرز استهداف الاحتلال للأطفال في سياق أي عدوان على قطاع غزة أو الضفة الغربية، وهذا العدد الكبير من الضحايا الصغار يوضح أن الاحتلال الإسرائيلي يعتمد على ترويع العائلات الفلسطينية من خلال استهداف أكثر أفرادها ضعفًا.

وختاماً، ما زالت صورة محمد الدرة محفورة في ذاكرة العالم، وما زالت قصته تذكرنا بمأساة شعب يعاني من الاحتلال والعدوان. لقد تحوّل الدرة إلى رمز للصمود الفلسطيني وأيقونة للنضال، وترك خلفه إرثًا يُخلد في القلوب والعقول، وفي كل عام، يُحيي الفلسطينيون والعالم ذكرى استشهاد محمد الدرة، مستذكرين الجرائم التي ترتكب بحق الأطفال الأبرياء، ومطالبين بالعدالة والحرية.

اقرأ أيضا