قال الدكتور محمود الهواري خطيب الجامع الأزهر والجمعة الأولى من شهر شعبان، إننا نحتاج إلى يقظة في زمان الغفلة، فيعرف الإنسان المنوط به ومراد الله فيه، وما يراد به من عدوه، وأن يعلم واجباته ومسؤولياته ويعي قيمته في الدنيا وقدره عند ربه في الآخرة.
خطيب الجامع الأزهر: نحتاج إلى يقظة تجعلنا نلتف حول هدف واحد
وتابع خلال خطبة الجمعة الأولى من شهر شعبان اليوم: «مستوى أكبر من اليقظة نحتاجه اليوم وهو أن يشعر الإنسان بآلام الأمة وإخوانه شرقا وغربا، فنرى من يستغيث ويصرخ فيما لا يجد من يسمع أو يرى، قال عنه ربنا : «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ».
وشدد خطيب الجامع الأزهر: قد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذا الحال فقال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت»، مؤكدًا: «حب الدنيا وكراهية الموت جرأ علينا عدونا، وعلينا أن نملك مواردنا وقرارانا ونلتف حول هدف واحد.
قال الشيخ صفوت عمارة، من وعاظ الأزهر الشريف، إنّ صيام التطوع في شهر شعبان بمنزلة السُنة المؤكدة القبلية في صلاة الفريضة؛ فإنها تهيئ النفس وتنشطها لأداء الفرض، وصيام التطوع في شهر شوال بمنزلة السُنة المؤكدة البعدية، وفي ذلك قال ابن رجب: "أفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعُد عنه".
وتابع «عمارة»، خلال خطبة الجمعة اليوم، أنَّ اللَّه تعالى جعل لكل فريضةٍ نافلةً من جنسها؛ لتكون جابرةً لما وقع فيها من خلل، ومتممة لما يكون فيها من نقصان، ونافلة الصيام صيام التطوع بمنزلة السُّنن الرواتب للصلاة المفروضة، والنافلة تجبر نقص الفريضة؛ فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول: «إنَّ أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيءٌ قال الرب عزَّ وجلَّ: انظروا هل لعبدي من تطوعٍ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة؟ ثم يكون سائر عمله على ذلك». [أخرجه الترمذي وصححه الألباني]؛ فصلاة النافلة تجبر نقص الفريضة، وصيام التطوع يعوض النقص ويجبر الخلل الذي حصل في صيام رمضان.
وأضاف «صفوت عمارة» أنّ النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كان يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره؛ فعن السيدة عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: «.. ما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان» [البخاري ومسلم]، ومن المعلوم أنَّ الأعمال تُرفع سنويًّا إلى اللَّه تعالى في شهر شعبان، وقد بيَّن لنا النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم الحكمة من كثرة صيامه في شعبان؛ فعن أسامة بن زيد رضي اللَّه عنهما، قال: قلت: يا رسول اللَّه، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذلك شهرٌ يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحبُّ أن يُرفع عملى وأنا صائمٌ» [أخرجه النسائي وأحمد]، أي: أرغب وأود أن يُرفع عملي وأنا صائم طلبًا لزيادة رفعة الدرجة.
وذكر «عمارة»، أنَّ شعبان يُعرف بأنَّه شهر الغفلة لأن الناس ينشغلون عنه لوقوعه بين شهرين عظيمين، وهما شهر «رجب» أحد الأشهر الحرم، وشهر الصيام «رمضان»، فإن الناس يهتمون بشهر رمضان لما فيه من الفضائل، ويعظمون شهر رجب لمكانته وحرمته، لظن بعض الناس أن الصيام في شهر رجب أفضل من شهر شعبان، لأن شهر رجب من الأشهر الحرم؛ فانشغل الناس بهما عن شعبان، فصار مغفولًا عنه، ومن المستحب إحياء أوقات غفلة الناس وعمارتها بالطاعات والعبادات لأن ذلك أمر محبوب عند اللَّه عزَّ وجلَّ.. اللهم ارزقنا الإخلاص والقبول.