معركة الكبريت .. من أهم المعارك التي بينت جدية المقاتل المصري خلال حرب أكتوبر 1973، فخلال فترة الحرب ظهر بسالة المقاتل المصري وصمودهم أمام الحصار الإسرائيلي.
وتولى العقيد إبراهيم عبد التواب بنفسه تشكيل كتيبة واستكمالها من أفراد ومعدات ، فحرص على حصول ضباطه على الفرق التعليمية التي تؤهلهم للمناصب التي يشغلها كلٌ منهم ، وكان يقوم بنفسه بإعداد طوابير التدريب التكتيكي لوحدته حتى يطمئن إلى أن كل فرد قادر على تنفيذ المهام التي يُكلف بها في كفاءة تامة .
كانت مهمة كتيبة البطل خلال حرب أكتوبر المجيدة، هي اقتحام البحيرات المرة الصغرى تحت تغطية من نيران المدفعية والقصف الجوي للطائرات المصرية، ثم التحرك شرقــًا على طريق (الطاسة) ثم طريق (الممرات) لتهاجم وتستولى على المدخل الغربي لممر (متلا).
الكتيبة 603
كان دور هذه الكتيبة محددة بإشغال العدو والتصدي له عند منطقة الممرات، وتحديدًا ممرى متلا والجدى.
وبدأت المعركة في ذلك الوقت باقتحام البحيرات المرة الصغرى تحت غطاء من نيران المدفعية والقصف الجوي المصري في الواحدة والنصف ظهرًا، أي قبل العبور بنصف ساعة ثم التحرك شرقا على طريق الطاسة ثم طريق الممرات بهدف الاستيلاء على المدخل الغربي لممر متلا، مضت الكتيبة نحو الممرات، كان الهدف هو منع العدو القادم من التقدم إلى سيناء وكانت مهمة كتيبة أن تتحرك باتجاه ممر متلا والأخرى تتحرك باتجاه ممر الجدى.
كانت النقطة الحصينة في كبريت مقرًا لإحدى القيادات الإسرائيلية الفرعية، ضمن خط بارليف وملتقى الطرق العرضية شرق القناة، وهو الأمر الذى عكس أهمية القاعدة إذ يمكن من خلالها السيطرة على جميع التحركات شرق أو غرب منطقة كبريت، التي تقع في المنطقة الفاصلة بين الجيشين الثاني والثالث المصريين، وعلاوة على ذلك فهي تقع في أضيق منطقة بين البحيرات المرة الكبرى والصغرى، والمسافة بين الشاطئين الشرقي والغربي عند هذه المنطقة لا تزيد على 500 متر، وتوجد في الوسط جزيرة يستطيع من خلالها العدو تطويق الجيش الثالث والوصول لمدينة السويس الباسلة.
كان هذا الموقع الذى تمت إقامته في «كبريت» يتحمل الموجات الانفجارية لجميع أنواع القنابل حتى زنة ألف رطل. وكان يتوفر داخل النقطة إمكانات الاكتفاء الذاتي لمدة شهر ويزيد، وغرفة عمليات جراحية كاملة التجهيز وكميات كبيرة من الأدوية والمعدات الطبية.
وقد وصلت معلومات للقيادة العامة للقوات المسلحة تفيد بأن الإسرائيليين بدأوا في تجميع قواتهم نحو نقطة كبريت للقيام بعملية اختراق عميق للقوات المصرية، وكانت النقطة القوية في كبريت لم تسقط بعد في العبور الأول. فكلفت كتيبة مشاه باقتحام هذه النقطة والاستيلاء عليها.
وبالفعل في تمام الساعة 6:30 من يوم التاسع من أكتوبر تحركت الكتيبة في اتجاه كبريت، وكانت الخطة تقضى باستغلال نيران المدفعية والدبابات لاقتحام الموقع من اتجاهي الشرق والجنوب بسرية مشاة، في الوقت الذى تقوم باقي وحدات الكتيبة بعزل وحصار من جميع الاتجاهات لمنع تقدم قوات احتياطي العدو الإسرائيلي، تمت مهاجمة النقطة القوية واقتحامها الساعة التاسعة والنصف مساء اليوم نفسه.
وفي هذه الأثناء، جاء الرد للمقدم إبراهيم عبدالتواب بالاستمرار في تنفيذ المهمة الموكلة له ولزملائه والتمسك بالموقع والسيطرة على المنطقة المحيطة به مهما كلّف ذلك من تضحيات، وكلف قائد الكتيبة عناصر المهندسين بزرع حقول الألغام المضادة للدبابات على طرق الاقتراب المحتملة للقوات الإسرائيلية وتجهيز مداخل المنطقة بحقول ألغام.
بعد ثلاثة أيام من الاستيلاء على الموقع، كانت تحركات العدو تشير إلى استعداده للهجوم لاستعادة النقطة، فرأى قائد الكتيبة ضرورة القيام بخطة مضادة لإفشال الاستعدادات الإسرائيلية وذلك بتنفيذ غارات ليلية على القوات المتجمعة بالقرب من النقطة وإحداث أكبر خسائر بها، وكانت الغارات تتكون من ضابط وأربعة أفراد فقط وقد أدت هذه الغارات إلى إشاعة الذعر بين صفوف الإسرائيليين وتكبيدهم خسائر كبيرة.
استمرت الغارات الجوية بمعدل غارة كل 5 دقائق، وتم إلقاء أكثر من 2500 طن من مادة 'T.N.T' من الطائرات على الموقع، وبدأت مواقع المدفعية الإسرائيلية المجاورة توجه ضرباتها إلى موقع كبريت غير أن إبراهيم عبدالتواب طلب من أفراد الكتيبة عدم الرد إلا بإشارة منه، وطلب من الجميع أن يبقوا في وضع الاستعداد.
كان الملازم سامى حجازي مسئولًا عن نقطة المراقبة الخارجية وكان يبلغ المعلومات إلى القيادة أولا بأول، وفى هذا الوقت أبلغ بتقدم الدبابات الإسرائيلية بحوالي 20 دبابة من جهة الغرب، غير أن الدبابات دخلت في حقل ألغام كانت قد زرعته القوات المصرية.
أوامر بالضرب والهجوم
هنا أصدر القائد إبراهيم عبدالتواب أوامره بالضرب والهجوم، فأصيب الإسرائيليون بحالة من الذعر الشديد وتم تدمير حوالى 16 دبابة إسرائيلية مما اضطر الآخرين إلى الهروب.
حاولت سيارة إسرائيلية الاقتراب من الموقع، فقام أحد أفراد الكتيبة بضربها، فانقلبت وتم أسر ثلاثة جنود إسرائيليين كانوا على متنها. وأثناء التحقيق معهم، كشف الأسرى عن غارة إسرائيلية ضخمة يعد لها بهدف دك الكتيبة فى الخامسة مساء، وبالفعل أربع طائرات فانتوم دكت الموقع بشراسة. ولكن رغم ذلك ظلت القوات صامدة. ولم يستطع الإسرائيليون اقتحام الموقع مجددا.
استشهاد أفراد الكتيبة
تم تدمير 27 دبابة وعربة مدرعة إسرائيلية مدمرة حول الموقع، واستشهد معظم أفراد الكتيبة وعلى رأسهم المقدم إبراهيم عبدالتواب الذى استشهد في يوم 14 يناير 1974 وحينما أحس الإسرائيليون باستشهاده، لم تخرج طلقة واحدة بعد ذلك في ذلك اليوم، للتعبير عن احترامهم لاستبسال هذا الرجل في الدفاع عن موقعه.
ظلت الكتيبة صامدة في موقعها لمدة 114 يومًا، حتى جاء يوم 20 فبراير 1974 وانسحبت إسرائيل إلى خط المضايق الجبلية تنفيذًا لاتفاقية فك الاشتباك ورفع الحصار عن الموقع، لتسطر صفحة رائعة من صفحات التاريخ العسكري المصري.
كان الأبطال في موقعة كبريت يصارعون كل شيء بداية من عدم وجود إمدادات للصمود تحت الحصار، مرورا بمشكلة المياه وعدم توافرها وصولا لندرة كل شيء يساعد على الاستمرار في الصمود.
حصار قاس بكل ما تعنيه كلمة قسوة من معان وكان الصمود في حد ذاته ملحمة كتب سطورها أبطال موقعة كبريت حتى أشاد بهم العدو احتراما وتقديرا لصمود هؤلاء الأبطال في ظل الظروف التي تم الحصار خلالها.