تراجعت مبيعات السيارات الجديدة على مدار الأشهر الماضية بنسب تجاوزت الـ70%، ومع تعدد وتضافر الكثير من العوامل التي هوت بسوق السيارات، يبرز دور ارتفاع فائدة البنوك على قروض السيارات كعامل مهم لم يتطرق إليه الكثير، مكتفين بتحميل حالة الركود الحالية إلى ارتفاع الأسعار فقط.
بالنظر إلى أسعار الفائدة على الإقراض منذ بداية العام فقد بدأت عند مستوى 16.75%، وارتفعت في مارس بمقدار 2% خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية التابعة للبنك المركزي المصري لتصل إلى 18.75% على الإقراض، مع الانتباه أن رحلة صعود الفائدة انطلقت مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية في نهاية فبراير 2022، حيث كانت الفائدة حينها على الإقراض 9.25%، أي أن الفائدة ارتفعت بمقدار 10% خلال 17 شهر تقريبا.
أسعار الفائدة تزيد من تراجع مبيعات السيارات
وانعكس ارتفاع أسعار الفائدة على سوق السيارات الجديدة، حيث تستحوذ قروض السيارات على نسبة كبيرة من مبيعات هذا القطاع، حيث أن العديد من شركات السيارات تعتمد على برامج التقسيط لتنشيط المبيعات إضافة إلى تعاقد التجار مع البنوك لترويج القروض التابعة لهم لدى العملاء مقابل عمولات ونسب ربحية للبائع يتم تحديدها وفقا للكميات المباعة شهريًا.
وتجاوزت أسعار الفائدة المتناقصة على قروض السيارة حاجز الـ20% لدى أغلب البنوك فبنك القاهرة يقدم القرض بفائدة 22% إضافة إلى رسوم إدارية تتراوح ما بين 2 إلى 4% وفقا لنوع الشهادة أو الوديعة الضامنة للقرض، أضف لتلك الفوائد، إجبار العميل على تفعيل وثيقة تأمين على السيارة والتي تقدر بـ3% من من سعر السيارة الذي بات مرتفعا فلم يعد في سوق السيارات الجديدة أسعار تبدأ من 200 ألف جنيه كما في السابق.
الشراء كاش للهروب من أسعار الفائدة
يؤكد نور درويش رئيس شعبة السيارات أن مبيعات السيارات التقسيط تراجعت بنسب تتجاوز الـ60%، فالغالبية الآن يحرصون على الشراء كاش للهروب من أسعار الفائدة وقيمة التأمين والمصاريف الإدارية الأخرى، فالعميل يمكن أن يستلف أويبيع ممتلكات فقط من أجل تفادي مزيد من التكاليف في ظل الارتفاع الكبير في سعر السيارة نفسها.
يقول عماد عبد المجيد صاحب شركة فايربرد لتجارة السيارات أن فائدة البنوك المرتفعة حاليا تعد العامل الثاني وراء انخفاض المبيعات في قطاع السيارات الزيرو بعد ارتفاع الأسعار، حيث تمثل نسبة كبيرة في من المبيعات في هذ القطاع، وقارن عبد المجيد بين فائدة البنك على قروض السيارة خلال العام الماضي والتي تراوحت من 7.5 إلى 8% بينما أصبحت في 2023 تتأرجح ما بين 13 و%14 وبعض البنوك وشركات التمويل تفرض 17% كفائدة على قرض السيارة، وإذا وضعنا في الاعتبار ارتفاع الفائدة على أنظمة التقسيط وزيادة أسعار السيارات إلى الضعف تقريبا، نجد أن العميل الراغب في شراء سيارة بالتقسيط من سيارات الفئة المتوسطة سوف يدفع ضعف ما كان مطالب بدفعه خلال العام الماضي، موضحا أن أقل قسط للسيارة حاليا لا يقل عن 8 آلاف تقريبا وأغلب الراغبين في شراء السيارات بالتقسيط لا يستطيعون تقديم مفردات مرتب تسمح لهم بالحصول على التمويل، أضف أن أغلب البنوك باتت تتطالب باشتراطات وضمانات أكثر تعقيدا عن ذي قبل، منها اشتراط وديعة أو وثائق بقيمة محددة وغيرها.
ونبه أن تضافر العوامل المختلفة من ارتفاع أسعار الفائدة إلى ارتفاع أسعار السيارة، دفع في اتجاه خروج عملاء من سوق السيارات الجديدة، فلقد كان القسط في السابق للسيارة التي تباع لمبلغ 200 ألف جنيه لا يتجاوز الـ3 آلاف جنيه بعد خصم المقدم، أما الأن فالقسط تضاعف بالتبعية عقب ارتفاع سعر السيارة وفوائد قروض السيارة التي تقدمها البنوك وعدد من شركات التمويل.
قروض السيارات مرتفعة كقيمة ومنخفضة كعدد
ويشير مصدر داخل أحد شركات التمويل المعروفة أن القروض المسحوبة من العملاء لشراء السيارة بالتقسيط ربما تكون قيمتها أعلى مقارنة بالعام الماضي، لكن الأعداد أقل بالطبع في ظل إحجام الكثيرين عن الشراء بعد رفع أسعار السيارات والفوائد، وتبرهن مروة سمير مدير الإصدار بواحدة من شركات التأمين أن تراجع مبيعات التقسيط أنعكس على تراجع أعداد الوثائق التأمينية على السيارات بنسب كبيرة تتجاوز الـ60 %، ونبهت أن أسعار وثائق التأمين على السيارات ثابتة كنسبة لكن القيمة ارتفعت فبعد أن كانت 3% من قيمة السيارة لا تتجاوز 3 أو 4 آلأف جنيه في الفئات المتوسطة أصبحت تقترب من 12 ألف جنيه.
ويكمل إيهاب حلمي مدير المعاينات بإحدى شركات التأمين أن أغلب السيارات الجديدة المؤمن عليها حاليا تتبع شركات والقليل منها يأتي كأفراد.
العملاء توجهوا لشراء المستعملويوضح الدكتور وائل النحاس الخبير الاقتصادي أن أسعار الفائدة المرتفعة نظريا تؤثر على مبيعات السيارات لكن في ظل ارتفاع الأسعار الكبير في قطاع السيارات فلن يؤثر حيث أن مشتري السيارات الحالي ينتمي إلى شريحة اجتماعية تستطيع دفع هذه الأرقام الكبيرة سواء كاش –وهو الأكثر- أو تقسيط، وتابع أن الوضع الاقتصادي الحالي وتبدل الظروف المحيطة فرض على الأسواق عامة وسوق السيارات خاصة أوضاع جديدة منها توجه الطبقة المتوسطة إلى شراء السيارات المستعملة والابتعاد عن سوق الزيرو.
وأشار النحاس أن لا غضاضة في أن تكون أسعار الفائدة مرتفعة ولكن بما يتناسب مع قدرة الأشخاص على الدفع والتقسيط، لكن الوضع الحالي ينبأ بعواقب وخيمة في المستقبل حيث أن من اليسير أن نجد تعثر عملاء القسط في سداد الأقساط للبنوك بالتوازي مع الارتفاعات المتتالية في تكلفة المعيشة والتي كانت سببا رئيسيا في تراجع إقبال المواطنين على شراء السيارات، بل وسنرى بالتبعية تخارج لبعض شركات بيع السيارات، وكلما زادت الأسعار والفائدة، تفاقم الركود وتخارجت أعدادا جديدة من السوق.
وتابع أن ارتفاع أسعار الفائدة ينعكس كذلك على التجار الذين يتعاملون مع البنوك عند شراء شحنات جديدة من السيارات، فرأس المال لديه تأكل مع تغير سعر الصرف وبالتالي بات يطلب أعداد أقل من السيارات، بل إن الأسواق حاليا شهدت نمو في عدد السماسرة أي أنه لا يملك ما يبيع بل يأخذ من تاجر ليبيع لتاجر أو عميل آخر بغرض توفير السيولة والمحافظة على عمر أطول له في السوق؛ إجمالا المنظومة كلها سينالها الضرر في ظل الركود.
ونبه النحاس أن تراجع مبيعات السيارات في مصر سيؤدي لانصراف الشركات الأم عن التوريد لمصر والاهتمام بتوفير ححص لها من الإنتاج في ظل ضعف الكميات المطلوبة من الوكلاء، وانتهى النحاس إلى أن سوق السيارات في طريقه للانهيار كغيره من الأسواق المهددة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة قد تمتد لسنوات مقبلة في ظل الأزمة الأوكرانية الروسية الحالية، وعدم قدرتنا على توطين التصنيعع والتجميع المحلي للسيارات.