قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وأمرنا ربنا سبحانه وتعالى بمكارم الأخلاق، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب جلائل الأخلاق ومكارمها ويكره سفاسفها ودنيها، وفي استقبال شهر ذي الحجة الحرام فقد نهانا الله عن ظلم النفس فيها.
وتابع علي جمعة تحت عنوان"امض في طريقك لا تلفت": إن رسول الله تركنا على المحجة البيضاء، علمنا الأدب مع الله، علمنا الأدب مع النفس، علمنا الأدب مع الآخرين.
وأشار إلى أن المتأمل في كتاب الله سبحانه وتعالى يرى خُلق المحاورة، وينهى ربنا سبحانه وتعالى بدرجاتٍ كثيرة وفي أنواعٍ شتى عن السخرية بالآخرين، ويجعل السخرية نوعًا من أنواع الظلم ولا يُبيحها إلا كما أباح رد العدوان؛ فرد العدوان ليس من العدوان وإن سميناه عدوانًا، فهذا من قبيل تسمية الشئ بجزائه، فإن هذا الرد إنما هو كان جزاءًا للعدوان الذي اعتُدي علينا {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} وهذه التي نرد بها السيئة ليست بسيئة وإنما كان الأمر على سبيل إيقاف العدوان وصد الطغيان.
ومما نهانا الله سبحانه وتعالى عن السخرية بالآخرين وجعل الله السخرية بالآخرين نوعًا من أنواع الظلم وصفةً من صفات المجرمين؛ ولذلك نرى الكاتبين الذين يسخرون من الإسلام وأهله ومن سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن آدابه التي أخرج بها الناس من الظلمات إلى النور، نرى أولئك وقد يكونون من المؤمنين الغافلين الفاسقين، وقد يكونون من الكافرين الذين لا يؤمنون لا بإلهٍ ولا بوحيٍ ولا بنبيٍ ولا برسولٍ ولا بكتاب، نرى أولئك عبر التاريخ يسخرون، ونرى المؤمنين الذين التزموا بأخلاق سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم لا يسخرون.
وأوضح علي جمعة أن ربنا سبحانه وتعالى يُعلّم المؤمنين عن طريق سيد المرسلين فيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
كما نهانا ربنا عن السخرية بالمؤمنين؛ في ذاوتهم في أفعالهم، في أفكارهم وفي آرائهم، نهانا ربنا أن يسخر الرجال من الناس - من الرجال أو النساء - والنساء من الناس -من النساء أو الرجال - ونبهنا ربنا سبحانه وتعالى إلى ذلك وأمرنا بالتوبة إن وقعنا فيها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي ذرٍ رضي الله تعالى عنه: (إنك امرؤ فيك جاهلية) عندما سخر من بلالٍ رضي الله تعالى عنهما، يقع الإنسان في ذلك على سبيل العرض، وقد يتمكن فيه ذلك فيكون مرضاً، وسواء أكان على سبيل العرض أو على سبيل المرض فإنه يجب عليه أن يبادر بالتوبة وأن يستغفر ربه وأن يتأسف لمن سخر منه.