مبادرة مقاطعة الدولار.. ماذا يمكن أن تحقق للاقتصاد؟

الاربعاء 24 مايو 2023 | 03:31 مساءً
مبادرة مقاطعة الدولار - صورة أرشيفية
مبادرة مقاطعة الدولار - صورة أرشيفية
كتب : محمد الإمبابي

انطلقت مبادرات متعددة من أجل تقليل الطلب على الدولار ودعم العملة المحلية في ظل الضغوط الاقتصادية العالمية والمحلية، وبادرت شعبتا المحمول والرخام، وكذلك رابطة تجار السيارات بالإعلان عن مقاطعة التعامل بالعملة الأمريكية لمدة شهر.

وتكشف المبادرة عن حس وطني لمن أطلقوها وسعى للمشاركة في تحجيم التعامل بالسوق السوداء للدولار، حتى وإن كانت المدة المفروضة شهرا واحدا فقط.

 مقاطعة الدولار بدوافع وطنية

أكد حمد النبراوي عضو مجلس إدارة شعبة تجار ومستوردي المحمول والإكسسوار أن المبادرة بدوافع وطنية خالصة في حب الوطن، لذلك أثمرت وانعكست نتائجها سريعا في هبوط سعر الدولار بالسوق السوداء من 5 إلى 6 جنيهات، وسجل 37 جنيها بعد أن كان قد تجاوز حاجز 40 جنيها قبل إطلاق المبادرة، وهو ما يشجع على مد أجلها لأكثر من شهر خصوصا وأن حركة المبيعات محدودة حاليا، وأكد أن البضاعة متوافرة والتجار لديهم مخزون يستطيع تغطية الطلب ربما لمدة عام، وبالتالي فإن الفرصة مواتية لمقاطعة شراء الدولار من السوق السوداء، لدعم الاقتصاد بما نستطيع تقديمه.

وقال إنه فور الإعلان عن المبادرة، وجد دعما كبيرا من مجلس إدارة الغرفة التجارية بالقاهرة، سواء بالمساعدة أو الانضمام للمبادرة، ما يعد تأكيدا على أهمية المبادرة ودوافعها الوطنية، مضيفا أن الطريق طويل لتحجيم ارتفاع الدولار والمبادرة تعد خطوة أولية نأمل استكمالها.

وكشف النبراوي أن بعض التجار يقومون بتهريب أجهزة المحمول وغيرها عبر دول صديقة أبرزها ليبيا، إلا أن المبادرة حجمت الكثير من هذه الممارسات.

وعلى جانب آخر فإن أسامة أبو المجد رئيس رابطة تجار السيارات، يرى أن المبادرة في إطار التجريب، حيث إنها ستستمر لمدة شهر وفي حالة وجدت صدى واسعا، مبينا أن سعر الدولار تراجع 4 جنيهات مع بدء المبادرة، ليسجل 37.5 جنيها.

وأوضح أن المبادرة تناشد تجار السيارات ممن يستثمرون أموالهم في الدولار أو الذهب أو العقارات، وفي العموم فالمبادرة تناشد أي تاجر يتعامل في السوق السوداء للدولار أيان كان نوع التعامل أو غرضه، كي يستعيد الجنيه عافيته مرة أخرى.

وأكد أن نجاح المبادرة رهن بتفاعل التجار معها وتنفيذها، مضيفا أن تحقيقها لأهدافها في صالح جميع التجار، حيث إن عودة الجنيه لقيمته الطبيعة من شأنها إعادة رأس المال الخاص به لقيمته الفعلية قبل ارتفاع قيمة الدولار.

واستنكر أبو المجد الحديث عن تسبب المبادرة في نقص المنتجات؛ فالظروف الحالية استثنائية ولا بد من أن نعمل لصالح البلد.

شعبة السيارات.. لا نتعامل في السوق السوداء للدولار

على الجانب الآخر رفض الدكتور نور درويش نائب رئيس شعبة السيارات بالغرفة التجارية بالقاهرة، الحديث عن المبادرة، مؤكدا أنها لا تتبع شعبة السيارات بأعضائها جميعا حيث إن تجارا وموزعي ووكلاء السيارات لا يقومون بالتعامل في السوق السوداء للدولار على الإطلاق، وأن من يتعامل خارج الإطار الرسمي الذي حددته الدولة عليه أن يواجه العقوبات المقررة قانونا، مشيرا أن الاستيراد حاليا يواجه بعض الصعوبات بسبب الظروف الاقتصادية العالمية التي طالت الجميع منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

مقاطعة الدولار لتنظيم سوق الرخام وإعادة المنتج الوطني

أكد محمد عارف رئيس شعبة المحاجر والرخام بالغرفة التجارية في القاهرة، أن الدافع الرئيسي لإطلاق المبادرة حب الوطن ومصلحة المواطن وتنظيم سوق الرخام والجرانيت من جديد، بعد الآثار السلبية للأوضاع الاقتصادية التي مر بها العالم وتأثرت بها مصر من ارتفاع في أسعار الدولار بسبب المضاربات في السوق الموازي، ما أدى لارتفاع سعر الخامات وبالتالي إحجام العملاء عن الشراء والدخول في حالة من الركود.

واستطرد أن هناك العديد من الطرق التي يتحايل بها بعض التجار لتنفيذ عمليات الاستيراد باستخدام الدولار الأسود، لذا فإننا نود من المبادرة تضامن الجميع لمقاطعة شراء الدولار من السوق السوداء، وبتراجع الطلب ينخفض سعره مرة أخرى.

وتابع أن خلال الشهر المقرر للمبادرة من المتوقع أن يتحول البيع والشراء إلى المنتج المحلي المتوافر حاليا في ظل عدم توافر المستورد، ما ينعكس على تنمية المحاجر المحلية مرة أخرى، مشيرا أن من الواجب على كافة المشروعات الإنشائية في مصر العامة والخاصة الاعتماد على الرخام والجرانيت المصري بدلا من اشتراط المستورد لدعم المنتج المحلي، ولا داعي للقلق من نقص المنتج حيث إن المخزون لدى التجار يكفي لتغطية الاحتياجات المحلية.

وأوضح عارف أن مصر تمتلك بديلا محليا لمنتجات الرخام والجرانيت، إلا أن العديد من رجال الصناعة توجهوا للاستيراد من تركيا بسبب ارتفاع تكلفة الاستخراج من المحاجر داخل مصر، مشيرا أن الرسوم المقررة حاليا تبدأ من 650 ألف جنيه وتصل إلى مليون جنيه تقريبا بعد أن كانت في السابق 80 ألف جنيه فقط، وبناء عليه تقلص عدد المحاجر إلى 80 مقارنة بـ3000 محجر قبل ارتفاع الرسوم والعقوبات المفروضة في حالة وجود أي مخالفة والتي تصل إلى 2 مليون جنيه.

واختتم حديثه بأن المبادرة تطمح إلى تحجيم استيراد الرخام والجرانيت بعد أن بلغت الفاتورة الإجمالية لهما في 2022 ما يقرب من 300 مليون دولار.

مبادرة بلا تأثير

وقالت الدكتورة ضحى عبد الحميد الخبيرة الاقتصادية إن المبادرة وقتها قصير للغاية وتأُثيرها لن ينعكس على الاقتصاد أو توفير العملة الأجنبية اللازمة؛ حتى وإن استمرت لثلاثة شهور أو أكثر، وإن كان الأمر محمودا ومشكورا لمن أطلقوا المبادرة ، حيث إن تقليل التعامل في السوق السوداء وانحسارها ينعكس إيجابيا لصالح تقدم مصر في التصنيفات الائتمانية الدولية، حيث أن جميعها ترتبط بتوافر العملة الأمريكية وحجم التداول في السوق السوداء، كما يبعث برسائل مطمئنة للخارج حول سعي المصريين لتوحيد سعر الصرف، لكنها نظل خطوة محدودة للغاية، ولن تستديم آي آثار لها طويلا.

وتابعت أن البنك المركزي يجب أي يدعم التجار المقاطعون بتوفير جزء من الدولار بما يكفي لجلب مستلزمات الإنتاج فقط كما وجه الرئيس السيسي، كي يتم دعم للصناعة المحلية بما يقلل من الاعتماد على الخارج، مضيفة "على التجار والمصنعين والعملاء اللجوء للبديل المحلي قدر الإمكان بما يحقق دعم الصناعة الوطنية وتقليل الإنفاق الدولاري على المنتجات المستوردة.

وأكدت الخبيرة الدولية في متابعة وتقييم التنمية أن الصناعة المحلية والمحفزات التي تقوم بها الدولة يجب أن تستمر لتوفير الدولار، خصوصا وأن مصر تمتلك المقومات المختلفة لخلق بدائل وجذب الاستثمارات المختلفة، ولنرى تجربة مصنع سامسونج الرائدة في مصر لنزيد منها، كذلك يجب الاستفادة من القلاع الصناعية التي تمتلكها مصر لزيادة إنتاجها ومن المواد اللازمة للصناعات المختلفة ومنها الهيئة العربية للتصنيع، ولا بد من أن نعي جيدا أن النتيجة لن تظهر إلا بعد سنوات من العمل الجاد لن تقل عن الثلاث سنوات.

كما أشادت بالحلول التي لجأت إليها الدولة المصرية كالانضمام إلى بنك التنمية التابع لمنظمة البريكس تمثل خطوة مهمة لدعم الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على الدولار، فالبنك يسمح بالتعامل بالعملة المحلية للدول الأعضاء وبالتالي يخفف من الضغط على طلب الدولار؛ وللعلم فإن حجم اقتصاد دول البريكس يمثل 25% تقريبا من إجمالي الناتج المحلي على مستوى العالم، مشيرة أن مصر تمتلك احتياطيات من الذهب والعملة المحلية تجعلها قادرة على توفير احتياجاتها بما يكسر شوكة الدولار.

ونصحت بزيادة التعاون مع الشركاء الدوليين في مجموعة البريكس من أجل اعتماد العملات الوطنية في التبادل التجاري بينهم، لاستمرار التجارة بين الدول بما يحد من الإقبال على الدولار.

وكشفت أن هناك العديد من الدول الساعية للانضمام إلى البريكس، وبمجرد انضماممهم وتوسيع قاعدة التعامل بالعملات المحلية للدول ستصبح التصنيفات الائتمانية القائمة على أساس الدولار جزء من الماضي.

وقالت إن تفعيل اتفاقيات التبادل التجاري مع الدول الإفريقية، يساهم في تقليل الاعتماد على الدولار، حيث أن المعاهدات الموقعة من خلال الاتحاد الإفريقي توفر الفرصة للتبادل التجاري بين الموقعين بالعملة المحلية.

ونبهت إلى أهمية إدراك عامل الوقت جيدا خلال العمل على تنمية الموارد المحلية وتعظيمها، حيث إن الوقت أهم ما يتعلق بإدارة الاقتصاد، لذا فإن دراسات الجدوى والتخطيط السليم يحقق الأهداف المرجوة من العمل.

جهد مشكور ولكن

الدكتورهاني أبو الفتوح الخبير الاقتصادي، أوضح أن مثل هذه المبادرات تعد جهدا مشكورا لأصحابها، لكن يجب الانتباه أن الاستيراد حاليا في أضيق الحدود ومحكم بآليات منضبطة تحد من التعامل مع السوق السوداء للدولار، حيث إن البنك هو المنوط بتدبير العملة الأجنبية اللازمة للاستيراد أو أن تكون العملة ناتجة عن عملية تصدير، ولا يمكن استعمال دولارات السوق السوداء في عمليات الاستيراد الشرعية.

وكشف أن معيار نجاح هذه المبادرة يجب قياسه وفق معيار حجم الواردات للمشاركين بها من إجمالي قيمة الواردات المصرية، لذا فإن الحكم بنجاح أو فشل المبادرة يتطلب بيانات تصدر عن المشاركين بها بالأخص أن المبيعات حاليا متراجعة في الأسواق المختلفة.