ساحة "البدوي" بطنطا تتزين لاستقبال رمضان

الاربعاء 22 مارس 2023 | 02:06 مساءً
كتب : محمد ربيع

أجواء روحانيات رمضان تنتشر في أرجاء ساحة مسجد السيد البدوي بمدينة طنطا،  تجار يبيعون الفوانيس والزينات،، كما نصبوا موائد الرحمن بساحة البدوى، "الساحة التى لا يجوع فيها قادم"والتى تشهد انتشار كثيف للزينة الورقية والاعلام والفوانيس بكافة اشكالها ونماذج مجسمة للمساجد والكعبة المشرفة تزينها اللمبات الكهربائية .

أمام ساحة السيد البدوى أشهر أولياء أل البيت وأحد أقطاب التصوف الأربعة لا تصادف إلا الفقراء والبسطاء والضعفاء وما إن تدلف إلى الشوارع المحيطة بالساحة الأحمدية حتى تسمع المناجاة والمدائح والسير والأغانى الدينية والمدائح النبوية وسير الأولياء والصالحين، وتشتم رائحة المسك والعطور والبخور وغير ذلك الكثير مما يدركه سمعك هو نابع من قلوب واجفة لصاحب المقام عبر حلقات الذكر التى لا تنتهى صباح مساء، وما إن يسمعها الإنسان منا حتى تفيض عيناه بالدموع، لأنها تدل على تغلغل حب الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام فى قلوب المصريين.

ورغم هذا الحب الجارف من الغلابة لأولياء الله الصالحين لا تتوقف فتاوي المتشددين والتكفيريين في مصر وخارج مصر عن اتهام زوار المقامات والأولياء بالشرك والابتداع في أمور الدين وعلي الرغم من تلك الفتاوى والأصوات الشاذة تجد أحباب آل البيت هنا يتوافدون إلي ضريح السيد البدوي يوميا طلبا للمدد من شيخ العرب.

في رحاب المسجد الأحمدي تستشعر المكانة الخاصة للسيد أحمد البدوي في نفوس المصريين حيث يتوافد ملايين الزوار علي مدار العام إلي المسجد الأحمدي بمدينة طنطا طلبا للمدد وطمعا في قضاء الحاجات وتقيم المشيحة العامة للطرق الصوفية كل عام مولدا للسيد البدوي يحضره الآلاف من كل بلاد العالم ليشاركوا في الاحتفال .

هو «البدوي، شيخ العرب، الملثم، أبو الفتيان، أبو العباس، أبو فراج، السطوحي، عيسوي المقام، القطب النبوي، باب النبي، بحر العلوم والمعارف، الصامت، القدسي، الزاهد، جياب الأسير، العطاب، ولي الله، ندهة المضام، محرش الحرب‏، أبو العباس، الأسد الكاظم‏» ولد في 596 ه / 1199 م بفاس ، الدولة الموحدية وتوفي 675 هـ/1276 م بمدينة طنطا.

صاحب الطريقة البدوية

أحمد بن علي بن يحيى (فاس 596 هـ/1199 م - طنطا 675 هـ/1276 م) إمام صوفي سني عربي، وثالث أقطاب الولاية الأربعة لدى المتصوفين، وإليه تنسب الطريقة البدوية ذات الراية الحمراء. لُقب بالبدوي لأنه كان دائم تغطية وجهه باللثام مثل أهل البادية، وله الكثير من الألقاب، أشهرها شيخ العرب والسطوحي.

ينتهي نسبه من جهة أبيه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب. وولد البدوي بمدينة فاس المغربية، وهاجر إلى مكة مع عائلته في سن سبع سنوات، واستغرقت الرحلة أربع سنوات، منهم ثلاث سنوات أقاموها بمصر. وعندما بلغ الثمانية والثلاثين من عمره، سافر إلى العراق مع شقيقه الأكبر حسن، ورجع بعد عام واحد إلى مكة، ثم قرر في نفس عام رجوعه, الهجرة إلى مصر، وتحديداً إلى مدينة طنطا، لتكون موطن انتشار طريقته.

يُنسب إلى البدوي العديد من الكرامات، أشهرها ما يتداوله العامة أنه كان ينقذ الأسرى المصريين من أوروبا الذين تم أسرهم في الحروب الصليبية، ولذلك انتشرت مقولة في التراث الشعبي المصري هي الله الله يا بدوي جاب اليسرى، أي أن البدوي قد جاء بالأسرى.

يُقام له في مدينة طنطا احتفالان سنوياً، أحدهما في شهر أبريل يُسمى بالمولد الرجبي، والثاني في أكتوبر وهو الاحتفال بمولده الذي يُعد أكبر الاحتفالات الدينية في مصر على الإطلاق، حيث يزور مسجده الكائن بقلب المدينة أكثر من 2 مليون زائر في المتوسط خلال أسبوع.

نسبه

أجمع علماء الأنساب والمؤرخون كافة على اتصال نسب القطب البدوي بالحسين بن علي بن أبي طالب، فهو «أحمد، بن علي، بن يحيى، بن عيسى، بن أبي بكر، بن إسماعيل، بن عمر، بن علي، بن عثمان، بن حسين، بن محمد، بن موسى، بن يحيى، بن عيسى، بن علي، بن محمد، بن حسن، بن جعفر الزكي، بن علي الهادي، بن محمد الجواد، بن علي الرضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي زين العابدين، بن الحسين، بن علي، بن أبي طالب».

أما بالنسبة للقب "البدوي" الذي اشتهر به، فسمي بذلك لأنه كان يشبه أهل البادية في ملازمة اللثام. وسمّي "الملثم" أيضاً لأنه كان يغطى وجهه بلثامين صيفاً وشتاءً.

غير أن هناك من المحققين والمؤرخين الذين يبطلون نسب البدوي وينفون صحة نسبه للحسين بن علي، إذ لا يثبت لديهم هذا النسب. فقد ذكر فخر الدين الرازي أن الحسن بن جعفر بن علي الهادي من المختلف في كونه أعقب أم لا، مما يعني أن هناك قول للنسابين بأن الحسن المذكور غير معقب.فمن الذين لم يذكروا لجعفر ابناً اسمه الحسن: الشريف بن الطقطقي والعبيدلي وابن عنبة. أما المصادر الشيعية فلا تبطل نسب البدوي لآل البيت، بل ينسبونه إلى علي بن جعفر الزكي وليس إلى الحسن بن جعفر الزكي، لأن الحسن لا عقب له.

الاحتفال بمولده

يعتبر الاحتفال بمولد البدوي من أكبر الاحتفالات الدينية في مصر، حيث تحتفل به 67 طريقة صوفية ويقام في منتصف أكتوبر من كل عام بمدينة طنطا الكائن فيها ضريحه بمسجده الشهير، ويقام لمدة أسبوع ويتبعه الاحتفال بمولد إبراهيم الدسوقي بمدينة دسوق في الأسبوع الذي يلي الاحتفال بالبدوي مباشرةً وقد ساعد إقامة مولد البدوي كل عام في ربط الشمال المصري بجنوبه، حيث أن كثير من أهل الصعيد لا يزورون الوجه البحري إلا في موعد إقامة مولد البدوي، وعندما ينتهي في طنطا يذهبون إلى دسوق للاحتفال بمولد الدسوقي ويقام للبدوي احتفالاً آخر يعرف بالمولد الرجبي، ويقام في النصف الأول من شهر أبريل من كل عام، ويقام لمدة أسبوع أيضاً.

الهجرة الي مصر

تعددت الآراء حول قرار البدوي الهجرة إلى مصر، والاستقرار تحديداً بمدينة طنطا، فقد قيل أنه قد يكون للبدوي فكرة عن موقع طنطا المتوسط بين مدينتي القاهرة والإسكندرية بوسط دلتا النيل، فاستقر بها لنشر طريقته بسهولة. وحسب مصادر الصوفية، عندما استقر البدوي بطنطا؛ أقام في دار تاجر اسمه «ابن شحيط» ويُعرف أيضاً باسم «ركن الدين»، وسكن فوق سطح داره. وكانت داره قريبة من مسجد البوصة، الذي يُعرف الآن بمسجد البهي.

وعلل البعض تفضيل إقامة البدوي فوق سطح الدار أنه كان يفضل العيش وسط الطبيعة، ليرى بسهولة آيات صنع الله في السماء والأرض. وقيل أيضاً أن البدوي كان حيياً، فاستحيا أن يعيش داخل الدار فيحد من حرية صاحب الدار وأهله، ويقل أيضاً أن هذا لتأثره بأهل العراق لأنه عاش بينهم عاماً، فأهل العراق قديماً كانوا يفضلون النوم فوق أسطح بيوتهم لشدة الحرارة في شهور الصيف.[ وحسب مصادر الصوفية، أن البدوي أقام فوق السطح نحو اثنتي عشرة سنة، وكان يمكث أكثر من أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب ولا ينام.

صلته بالصوفية

حسب الروايات الصوفية، كان لأحمد البدوي ميولاً نحو الزهد منذ صغره، حتى لقبه قومه في طفولته بالزاهد. وقد لبس خرقة التصوف في فاس على يد الشيخ عبد الجليل النيسابوري، وكان شقيق البدوي الأكبر حسن قد أخذ خرقة التصوف عن نفس الشيخ، فأخذ أخاه الصغير أحمد إليه ليلبسه هو الآخر الخرقة.[

وكان لأحمد البدوي صلة بالطريقة الدسوقية عندما استقر في مصر، فكان له صلة وطيدة بإبراهيم الدسوقي نفسه في دسوق عن طريق مريدي كلا منهما، إذ كان هؤلاء يتولون تبليغ ما يطلب منهم فيترددون ما بين مدينتي دسوق وطنطا، وقيل أن البدوي بعث إلى الدسوقي ما نصه:

ومن اقوال السيد أحمد البدوي أما سمعت وعلمت أننا أخذنا العهود والمواثيق على بعضنا؟، أما سمعت وعلمت أن الله حرّم خيرا الدنيا والآخرة على من يفرق بيننا؟، أما سمعت وعلمت أن الله لعن من يقول هذا على طريقة وهذا على طريقة؟، أما تعلم أن الله لعن من يقول هذا له مجلس ذِكر؛ وهذا ليس له مجلس ذِكر؟، أما تعلم أن الله فتح على من لم يفرق بيننا؟.

وصلة السيد البدوي بسيدى ابراهيم الدسوقي تظهر أيضاً في اشتمال حزب الدسوقي الكبير على كلمات كثيرة من حزب البدوي، وهذا يدل على وجود رابطة روحية قوية بين هذين القطبين من وجهة نظر الصوفية.

كراماته

امتلأت كتب الصوفية بالعديد من الكرامات المنسوبة لأحمد البدوي، ويرى بعض الصوفية كالإمام الأكبر عبد الحليم محمود أن أكبر كرامة للبدوي هي أنه قد ربّى رجالاً، وكوّن أبطالاً مجاهدين.

كذلك يرى البعض أن أكبر الكرامات هي أن يأخذ العهد على مريده بالتوبة والرجوع إلى الله وسنّة النبي محمد.

ومن أشهر الكرامات المنسوبة للبدوي، أنه كان ينقذ الأسرى المسلمين من أيدي الصليبيين أيام الحملات الصليبية على مصر، وظل اعتقاد شائع بين الناس أن البدوي ظل ينقذ الأسرى بعد مماته إلى عصر متأخر، حتى أنه انتشرت مقولة بين العامة -ومازل الناس يتداولونها حتى الآن- هي: الله الله يا بدوي، جاب اليسرى، أي أن البدوي جلاب الأسرى.

وكما أن هناك تشكيك في نسب البدوي وكراماته، فإن هناك كثيرون أيضاً شككوا في حقيقته وحقيقة دوره، إذ يرون أن الرجل وحوادثه لم تكن سوى خطة من خطط إعادة إحياء الدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية من جديد، فهي مؤامرة بلباس أهل البيت، ولكن عن طريق التصوف.

طريقته

تعرف طريقة أحمد البدوي باسم الطريقة الأحمدية نسبة لاسمه أحمد، أو بالطريقة البدوية نسبة إلى كنيته. وتقوم الطريقة البدوية على لبس الخرقة من شيخ عن شيخ، والعهد بها والمبايعة، والخرقة البدوية خرقة حمراء. وبحسب مصادر الصوفية، الراية الحمراء، اتخذها البدوي شعاراً لطريقته.

وقد وصى البدوي تلميذه المقرب عبد العال، فقال: يا عبد العال، اعلم أني اخترت هذه الراية الحمراء لنفسي في حياتي وبعد مماتي وهي علامة لمن يمشي على طريقنا من بعدي.

تراثه

لم يُثبث أن البدوي قد ترك أية مؤلفات أو كتباً مدوّنة، على الرغم من أن مريديه يؤكدون أنه شكل تراثاً فكرياً ضخماً قد فقد، وأن ما بقي منه نقل إلى مكتبات أوروبا وغير ذلك. وفي العموم يُنسب إليه قصائد شعرية، بعضها منسوب بلسان الحال، وأخرى بلسان المقال. ولم يستطع أحد من علماء الصوفية أن يثبت أن هذا هو شعر البدوي، لأن معظمها من الشعر الضعيف. ومن مثال الشعر المنسوب إليه:

أنا صاحب الناقوس سلطان الهوى

أنا فارس الأنجاد حامي مكة

أنا أحمد البدوي غوث لا خفا

أنا كل شبان البلاد رعيتي

ثم الصلاة على النبي وآله

والصحب ثم التابعين وعترتي

وكذا السلام مضاعفاً عد الحصى

والرمل ما سار الحجيج لطيبةِ

ويتمثل تراث البدوي الأدبي في وصاياه لتلميذه عبد العال، وهي عبارة عن وصايا عامة من أستاذ لتلميذه، ومن مثال ذلك: يا عبد العال؛ يقول الله تعالى في كتابه المكنون: "إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا والَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ". فعليك بكثرة الأذكار، واعلم أن ركعة بالليل أفضل من ألف ركعة بالنهار. يا عبد العال أشفق على اليتيم، واكسُ العريان، وأطعم الجيعان، وأكرم الغريب والضيفان.

وفاته

توفي أحمد البدوي يوم الثلاثاء 12 ربيع الأول 675 هـ/24 أغسطس 1276 م بمدينة طنطا، عن عمر يناهز 79 عاماً. وخلفه من بعده تلميذه عبد العال، وبنى مسجده. وكان في البداية على شكل خلوة كبيرة بجوار القبر، ثم تحولت إلى زاوية للمريدين.

ثم بنى لها علي بك الكبير المسجد والقباب والمقصورة النحاسية حول الضريح، وأوقف لها الأوقاف للإنفاق على المسجد أثناء انفصاله عن الدولة العثمانية وقت حكمه مصر، حتى أصبح أكبر مساجد طنطا. وقال عنه علي مبارك في الخطط التوفيقية: إنه لا يفوقه في التنظيم وحسن الوضع والعمارة إلا قليل.

في مسجد السيد البدوي مجموعة من آثاره منها مسبحته التي يبلغ طولها عشرة أمتار وبها ألف حبة، وصنعت من خشب العود والعنبر، وتفوح منها رائحة المسك، وأيضا عمامته ولثامه وعصاه الخشبية.

والمسجد الأحمدي تحفة معمارية وقيمة أثرية بهندسته القوية وزخارفه الهندسية والنباتية ومشغولاته الخشبية ولوحاته الخطية المنتشرة على منبره ومحرابه ونوافذه وأبوابه وجدرانه وقبابه.

اقرأ أيضا