يتساءل الكثيرون عن حكم حمل الميت على السيارة إلى قبره بسبب الأمطار، حيث أجابت دار الإفتاء على سائل يقول : المقابر الخاصة بقريتنا خارج الحيز العمراني للقرية، وقريتنا شوارع ترابية، وفي أيام الشتاء والمطر تكون الشوارع سيئة جدًّا، لكن أفتى أحد مشايخ القرية من غير الأزهريين بعدم مشروعية حمل الميت بالسيارة، وقال: لا بد أن يحمل الميت على الأعناق، وما دون ذلك بدعة نحمل وزرها.
وقال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، إنه يجوز حمل الميت على السيارة إلى قبره، ما دامت المقابر بعيدة عن القرية، وما دام الأمر يشق عليكم لوجود الوحل والطين التي يصعب المرور فيها مع حمل الميت، وهي حاجات معتبرة وأعذار مقبولة، لا تخرج عن معنى الأعذار التي جوَّز لها الفقهاء حملَ الجنازة على الدابة إلى القبر، وعلى ذلك جرى عمل الناس من غير نكير، مع مراعاة احترام الميت في نقله وعدم انتهاك حرمته؛ فتُستخدَم كل الوسائل الممكنة في تحقيق ذلك.
وتابع: أما الوقوف أمام ذلك واعتراضه ودعوى أنه بدعة فهو من التنطع المذموم والتشدد المرفوض الذي لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا تليق أمثال هذه التصرفات والرعونات مع جلال الحال ورهبة الموت التي تبعث على رقة القلب وسماحة النفس وحسن الخلق.
وأوضح أن الله تعالى جعل أهم مظاهر تكريم الإنسان بعد خروج روحه: التعجيلَ بتغسيلِه، وتكفينِه، والصلاةِ عليه، وحمل جنازته، ودفنِه؛ صونًا لحرمته وحفظًا لأمانته، وهذا ما أجمعت عليه أمة الإسلام إلى يومنا هذا؛ حتى سمّاها الفقهاء: الأركان التي تجب على الحي في حق الميت، ونصُّوا على أنها من الفروض الكفائية على المسلمين: إن قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين، وإن تركوها أثموا جميعًا.
وجاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ، وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ» أخرجه الطبراني في "الكبير"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وإسناده حسن؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري".
كما قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: "إنما كرامة الميت تعجيلُه" رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة"، ومثلُه عن أيوب السختياني؛ فيما رواه ابن أبي الدنيا، ومثلُه عن الإمام أحمد بن حنبل كما في "المغني" لابن قُدامة (2/ 337، ط. مكتبة القاهرة).
وبين أنه لذلك اجتهد الفقهاء في النص على الإجراءات والآداب التي تُحقق كرامة الميت وتصون حرمته، ابتداءً من خروج روحه إلى إقباره وإهالة التراب عليه؛ من ستر عورته أثناء تغسيله، وإحسان تكفينه، والتلطف في حمله، ونحو ذلك، فاتفقوا على أنه يجب أن يُحمل الميت إلى قبره بطريقة تُحصِّل مقصود الكرامة والاحترام.
ومن ذلك: حمل الجنازة على الدابة، وقد أجازه الفقهاء للمصلحة والحاجة؛ بأن كان مكان الدفن بعيدًا يشق الحمل إليه، أو لم يوجد من يحملها، أو كانت الجنازة ثقيلة: جاز حملها حينئذٍ، وفي معنى ذلك: الوحل الذي يصعب معه حمل الجنازة على الأعناق؛ فيجوز حينئذ حملها على السيارات، وعلى ذلك جرى عمل الناس من غير نكير.
وأما نصوص بعض الفقهاء بالمنع؛ كراهة أو تحريمًا: فالمقصود منها ما إذا كان حمل الميت على الدابة لغير حاجة، أو حُمِلَ على هيئة مزرية؛ بأن يُحمل في قُفَّةٍ أو نحوها، أو على هيئة تُشبه حمل الأثقال والأمتعة، أو على هيئة يخاف منها سقوطه، أو نحو ذلك مما لا يليق بإكرام الميت وصون حُرمته.