تشهد الكرة الأرضية، سلسلة من الجفاف والفيضانات، خلال الفترة السابقة، حيث ضربت الفيضانات والسيول بعض المناطق كالولايات المتحدة الأمريكية وباكستان، بينما جفت بعض الأنهار بالقارة الأوروبية، كنهر الراين بألمانيا، الذي أصبح غير صالح لسير القوارب والسفن، نظرا لقلة منسوب المياه به، ونهر كلورادو بالولايات المتحدة الأمريكية.
ويتخوف الكثيرون، من احتمالية ضرب جفاف لنهر النيل، مثلما حدث ببعض أنهار أوروبا والولايات المتحدة، وفي هذا الشأن، يقول الدكتور عباس شراقي، أستاذ جيولوجيا الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن ما يحدث من جفاف في بعض الأنهار هو أمر طبيعي، فتلك هي دورة الأرض، لافتا إلى أن ما يحدث هو موجات جفاف طبيعية تحدث كل فترة، وليست تغيرات مناخية دائمة.
موجات الجفاف
وتابع شراقي، خلال تصريحات خاصة لموقع جريدة (بلدنا اليوم): «ما يحدث ببعض مناطق الأرض من موجات جفاف هو أمر طبيعي يحدث على مدار التاريخ وليس شيء مستحدث، وإذا عدنا بالتاريخ سنجد أن مصر ضربها الجفاف، في فترة سيدنا يوسف عليه السلام، عندما تعرضت مصر إلى 7 سنوات عجاف و7 سنوات سمان».
وأضاف أستاذ جيولوجيا الموارد المائية بجامعة القاهرة: «موجات الجفاف الحالية تضرب بعض مناطق الأرض وليس جميعها، مثلما حدث بالقارة الأوروبية وحوض البحر المتوسط، بينما ضربت الفيضانات مناطق أخرى، وخلفت ورائها ضحايا ومصابين، كفيضانات باكستان».
وواصل: «جفاف الجزائر والمغرب كان نتيجة لقلة هطول الأمطار، ولكن مصر وليبيا وضعهم يختلف، بسبب مناخهما الجاف نتيجة للتغيرات المناخية التي حدثت منذ آلاف السنين».
تغير المناخ
وأوضح شراقي، أن ما يحدث بالأرض موجات جفاف طبيعية، ولا يمكننا أن نطلق عليها تغير مناخي إلا إذا استمرت طوال 30 عاما بشكل متواصل، مشيرا إلى أنه من الممكن أن تستمر تلك الموجات لمدة عامين أو أكثر، مردفا: «إذا استمرت موجات الجفاف في أوروبا لمدة 30 عاما متواصلين، هنا يمكننا أن نقول أن هذا تغير مناخي، وأن أوروبا أصبحت جافة كشمال إفريقيا».
واسترسل أستاذ جيولوجيا الموارد المائية: «رأينا جفافا يضرب أهم أنهار القارة الأوروبية، ونهر كلورادو وأريزونا ونيومكسيكو بالولايات المتحدة، فبعض تلك المناطق هي جافة في طبيعتها، إلا أن الجفاف ازداد في الفترة الأخيرة، بينما إذا نظرنا على شرق الولايات المتحدة، سنجد ولاية كنتاكي التي ضربها الفيضان منذ أسابيع، وخلف ورائه نحو 25 قتيلا، وكذلك فيضانات باكستان التي أنهت حياة أكثر من 1000 شخص، وتسببت في تشريد 30 مليون باكستاني».
وأكمل: «إذا قولنا على ما يحدث بالأرض الآن أنه تغير مناخي، فهل يكون التغير عبارة عن جفاف دائم أم فيضانات دائمة؟ فالأرض جزء منها يضربها الجفاف والآخر تغمرها المياه بفعل الفيضانات»، مؤكدا أن ما يحدث ليس شيء مستحدث، بل هو أمر طبيعي.
وأشار شراقي إلى أن ما يحدث بدورة المناخ هو ناتج لما تشهده المحيطات من تغيرات، وما يحدث بالمحيطات هو انعكاس لما يحدث بالشمس، فإذا ارتفعت درجة حرارة المحيطات، تهطل الأمطار بمناطق معينة، بينما يضرب الجفاف مناطق أخرى، وهذا ما يحدث الآن.
وقال أستاذ جيولوجيا الموارد المائية أن التغير المناخي يتم حسابه، عن طريق معرفة متوسط درجات الحرارة في فترة لا تقل عن 30 عاما مضوا، ويمكن أن تزداد فيما فوق ال100 عاما، فكلما ازداد حساب متوسط درجات الحرارة خلال سنوات كثيرة مضت، كلما ارتفعت دقة حساب متوسط درجات الحرارة خلالها.
سبب موجات الجفاف
وشدد شراقي على أن موجات الجفاف تلك لها أسباب داخل الكوكب وكذلك خارجه، مؤكدا أن الإنسان ليس السبب الرئيسي في موجات الجفاف، فالتغيرات المناخية وموجات الجفاف تلك تحدث منذ آلاف السنين، قبل وجود الإنسان، فالإنسان أضعف من أن يغير من الكرة الأرضية، فلا يجب تحميله المسؤولية.
وأكمل: «درجات حرارة الأرض أخذت ترتفع منذ 11 ألف عاما، فمنذ تلك الفترة ازدادت درجة الحرارة 8 درجات مئوية، فهل كان هناك نشاطا إنساني منذ 11 ألف عاما تسبب في زيادة درجات الحرارة؟ الإنسان سببا ولكن ليس رئيسيا».
وواصل: «إذا إختفى الإنسان من الأرض ستظل درجات الحرارة ترتفع»، موضحا بأن درجة حرارة الأرض ازدادت بمعدل درجة مئوية خلال آخر 100 عاما، مردفا: «يستحيل أن تصل نسبة تسبب الإنسان في ارتفاع تلك الدرجة خلال ال100 عاما إلى 50%، بل إنها من الممكن أن لا تتجاوز نسبة 10%، لكننا نقول أن الإنسان يمكنه تقليل تأثيره، فإذا كان 10% يمكنه أن يجعله 5% و2% وأقل من ذلك».
جفاف نهر النيل
وعن إمكانية جفاف نهر النيل، قال الدكتور عباس شراقي: «في عام 1913 ضرب جفاف نهر النيل، حيث كان إنتاج النهر حوالي 40 مليار متر مكعب من المياه، بشكل أقل من متوسط إنتاجه، وفي الفترة من 1981 حتى 1987، ضرب جفاف آخر نهر النيل، حيث بلغ إيراد النهر نسبة أقل من المتوسط، والبالغ 84 مليار متر مكعب آنذاك، وبعد مرور عام، أي 1988، حل فيضان هائل على نهر النيل، تجاوز ال100 مليار متر مكعب من المياه خلال عام».
وتابع: «لا يمكن معرفة موعد جفاف نهر النيل القادم، فمنذ عام 1988 لم يشهد نهر النيل أي جفاف، بل شهد من عام 1981 حتى 1987 جفاف، وفي عام 1988 ضرب فيضان نهر النيل، وفي عام 1998 حتى 2000 فيضانات، ثم تلى عام 2000 أمطار متوسطة، وفي آخر 3 أعوام كانت الأمطار فوق المتوسطة».
واختتم الدكتور عباس شراقي، أستاذ جيولوجيا الموارد المائية بجامعة القاهرة حديثه قائلا: «لا يمكننا أن نطلق على ما يحدث بالأرض الآن تغيرا مناخيا إلا بعد 30 عاما، فإذا هطلت أمطار ثلجية في مصر لمدة عامين تكون تلك موجة عابرة، لكن إذا هطلت الأمطار الثلجية لمدة 40 عاما بشكل متواصل، هنا نقول أن مصر بها تغير مناخي، وبالتالي لم يصبح مناخ مصر حار جاف صيفا، دافئ ممطر شتاءا».