يقول تعالى : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشهر في سنته المباركة ، فقال صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ، مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى، وَشَعْبَانَ " صحيح البخاري (6/ 66
وهذه الشهور الأربعة، رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وأطلق عليها الحرم، لقداستها وعظم ارتكاب الأخطاء فيها، كما أنها من الشهور التي حرم الله فيها القتال "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير".
منها أربعة حرم" هكذا تحدث القرآن الكريم عن الأشهر الحرم، مبينا فضلها، في إطار أعم هو الحديث عن عدة الشهور.
ومن الآداب المتبعة خلال هذه الشهور، حرمة القتال أو البدء فيه، إلا إذا كان دفاعا عن النفس والأرض والعرض، كما يجب الحذر من الوقوع في الإثم أو الخطايا أو تعمد فعل السيئات. كما تغلظ في تلك الأشهر دية القتل وفقا لكثير من العلماء. كما يكون ذنب الظلم فيها مضاعفا.
وكما تتضاعف الذنوب إذا ما ارتكبت خلال تلك الشهور، فإن الحسنات والأعمال الطبية والأجر، تتضاعف، ويستحب فيها الاقتراب من الله والسعي لنيل رضوانه. ويستحب فيها كذلك الصيام وكثرة قراءة القرآن.
وسميت بالحرم ؛ لأن الله حرم فيها القتال ، وجعلها شهور أمن وأمان بين الناس أجمعين .
يقول تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ } [البقرة: 217] .
ومن عظيم هذه الأشهر أن الله تعالى اصطفاها من سائر الشهور ، وجعلها أشهر يحرم فيها القتال بين الخلق ، حتى أن الرجل يلقى قاتل أبيه فلا يمسه بسوء وذلك تعظيما لهذه الأشهر .
ومن عظم هذه الشهور أيضا : أن الحسنات مضاعفة فيها ، وعدم ظلم النفس بالذنوب فيها مطلوب .
ومن فضائل الأشهر الحرم أيضاً : أن أعمال الحج كلها تقع فى ذى الحجة .
ومن الأشياء المحرمة في الأشهر الحرم أن الله -عز وجل- خص الأشهر الحرم الأربعة بزيادة التحريم وتشديد النهي؛ حتى لا نقع فيما وقع فيه الجاهليون من انتهاك لحرمة هذه الأشهر، قال تعالى: «فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُم»
والظلم في هذه الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزرًا، من الظلم فيما سواها. والظلم في الآية يشمل المعاصي كلها كبيرَها وصغيرَها، كفعلِ محرم أو ترك واجب، ويشملُ ظلمَ الإنسان في حقوق الخالق، وظلم الإنسان لنفسه، وظلم الإنسان للإنسان، وظلم الإنسان لأى مخلوق. كما أن الظلم في هذه الأشهر أشدُّ وأبلغُ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ» [الحج:25].