قال حسن إسميك رئيس معهد السلام للدراسات والبحوث الاستراتيجية، إن رسالة الملك عبدالله الثاني في ذكرى ميلاده الستين، وفي العام الذي يوافق مطلع المئوية الثانية من عمر المملكة الأردنية الهاشمية، انطلقت في تشخيصها للواقع الاجتماعي والحكومي من الإقرار الذي تضمنته كلمات الملك عن الفجوة القائمة بين واقع الأردن اليوم وما ينبغي أن يكون عليه.
وأشار إسميك، إلى أن قول الملك: "إنّ واقعنا لا يرتقي إلى مستوى طموحنا" يطرح بشكل مباشرة لبّ المشكلة التي تريد الرسالة تسليط الضوء عليها، بينما التوجه نحو الحلّ، فقد أشار إليه الملك بشكل واضح وصريح، حين خاطب الأردنيين، باعتباره واحداً منهم قبل أن يكون قائدهم، قائلاً: "لا أرى مكانًا لنا إلا في مقدمة التغيير".
ويتساءل إسميك، عن "التغيير" الذي يقصده الخطاب الملكيّ؟ وكيف يمكن المضيّ به؟ وما ملامح المرحلة القادمة التي سيقبل الأردن عليها؟ كل هذه الأسئلة ستكون برسم جميع المعنيين في الأردن، قيادة وحكومة ومؤسسات تشريعية وتنفيذية ، ولا يُستثنى الشعب من ذلك، خاصة وأن الأردن مقبل على حوارٍ وطني عام بحسب ما يشير إليه توجّه الإرادة الملكيّة في الرسالة.
وأوضح إسميك، أهمية الأفكار التي تناولها الملك، كونها تطرح مشروع الاستجابة لجملة ما يواجهه الأردن اليوم من التحديات الداخلية والخارجية، وعلى جميع المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، والتي يفرضها أمنيا محيطٌ إقليمي غير مستقر، وحدودٌ غير آمنة مع سورية والعراق، الأمر الذي يسبب بالغ الضرر في العمق الاستراتيجي للأردن.
ونوه بأن ذلك الوضع يترافق مع انخفاض المنفعة الاقتصادية المأمولة من أسواق المملكة الطبيعية، وتراكم المشكلات الإدارية في المؤسسات الحكومية والوطنية، مؤكدا أن هذه التحديات التي تعرقل التطوير والانفتاح الكامل الذي ننشده، تحتاج بداية إلى تمتين الجبهة الداخلية، وتسخير جميع الجهود لرسم سياسات الاعتماد على الذات، والسير بها، على ضوء خطط وبرامج اقتصادية فعّالة، بالتوازي مع تكريس لغة الحوار وبناء الثقة، بما يتكامل مع جهود الملك الحثيثة لمعالجة جميع التحديات إقليمياً ودولياً.
ولفت إلى أنه الرسالة الملكية وضعت الخطوط العريضة لخطة عمل شاملة، فإن وضع هذه الخطة موضع التنفيذ يتطلب متابعة جديّة وعاجلة من قبل الحكومة الأردنية الحالية والحكومات القادمة، تبدأ بتغيير النهج الإداري وعلاج ما تعانيه الدولة من ترهلٍ وغياب الكفاءات، ومواجهة التحديات التي أفرزها التعقيد البيروقراطي والقوى التقليدية التي تقف حائلاً أمام التطور والتحديث. وليس بخاف على أحد أن أهم مظاهر الترهل الإداري الذي يعاني منه الأداء الحكومي هو قلّة النخب والقيادات القادرة على اتخاذ القرارات السليمة التي تصبُّ في مصلحة الوطن والمواطن، بالإضافة إلى تفشي آفة تقديم المصالح الضيقة على المصلحة العامة، ناهيك عن انتشار الشائعات التي ساهمت في تزايد المظاهر المرتبطة بالشعبوية. ولذلك فإن غياب برنامج وطني يستهدف معالجة هذه المشكلات سيؤدي إلى استمرار تلك التحديات وتوريثها للحكومات القادمة.
وشدد على أن الإصلاح الإداري الذي ينشده الأردن، يبدأ من إرادة قوية تدعم وتحفّز مشاريع التطوير، وتركز على اختيار القيادات العليا على أسس علميّة ومنهجية مناسبة، فـ" القطاع العام لن يتطور إلا بتعيين قيادات كفؤة"، كما تشير الرسالة الملكيّة بوضوح، وحيث أن نظام اختيار الكفاءات ما زال يخضع للواسطة والمحسوبية، فإن تحقيق رؤى الملك يتطلب الإصرار على تطبيق الشفافية والمساءلة والمحاسبة، واعتماد معايير ومؤشرات الأداء الرئيسية في جميع الدوائر الحكومية وعلى جميع المستويات، إلى جانب ربط التخطيط والموازنات الماليّة لكل وزارة بالموازنة العامة وعبر آليات مناسبة ومدروسة. وهذا ما يحتم ضرورة التوجه ضمن هذا الإطار إلى إنشاء البنك الأردني الوطني للإدارة العامة، الذي يجب أن يحتوي قاعدة بيانات كل المعلومات المتعلقة بالإدارة العامة، الأمر الذي سيسهم في توفير الوقت والجهد وتحريّ الدقة والمرونة في العمل الإداري، أسوة بالدول المتقدمة.
في سياق آخر، قال إسميك، إنه لم تغب هموم المواطن الأردني ومطالبه بتحقيق حياة كريمة وآمنة عن خطاب الملك، والذي تضمن بوصلة واضحة نحو نهضة اقتصادية شاملة، تنطلق أولاً من تحديد مجموعة الأهداف القابلة للقياس بهذا الشأن، ومن ثم وضعها ضمن محاور تنفيذية تتعهدها الحكومات، لتصبُّ في خدمة مطالب الشعب، مع التركيز على الآفاق المستقبلية الضامنة لاستمرار تلبية هذه المطالب ورفع مستواها كمّاً ونوعاً، إذ تؤكد هذه الآفاق على المعالجة الجادة لموضوعي البطالة والفقر. ولذلك ينبغي دعم التوجه الحكومي نحو خلق فرص عمل جديدة في قطاعات غير تقليدية كالسياحة بشكل عام، والسياحة العلاجية بشكل خاص، والطاقة المتجددة والبديلة، وضرورة التركيز على دعم الصناعات التكنولوجية، وتنشيط حركة المرور التجارية مع الدول المجاورة وفي الإقليم، خاصة وأن هذه القطاعات باتت حيوية وذات آفاق مستقبلية واعدة، ويرتبط تطويرها بضرورة وضع تشريعات اقتصادية متطورة تدعم الاستثمار وتمنح الأردن مرتبة متقدمة في التنافس الإقليمي الذي تشهده تلك القطاعات.
وأكد إسميك، أنه من الضروري أيضاً توسيع مروحة انتشار هذه القطاعات على عموم أرض المملكة وفي المحافظات، ما يخفف الضغط على العاصمة، ويسهم في جذب الشباب والقوى العاملة في جميع المناطق.
أضاف أن أهمية التطوير التشريعي تأتي كحل لا بد منه أمام المشكلات التي تسببت بها التشريعات المعيقة للنمو الاقتصادي، بالإضافة للدور السلبي الذي تلعبه مؤسسة تشجيع الاستثمار، والتي بات عملها موضع تساؤل من قبل الكثيرين، إذ إن طبيعة وضعها الحالي تجعلها، وعلى العكس مما يشير اسمها، في حكم المعرقل للاستثمار، فهي لم تراكم سوى الفشل الوظيفي عاماً بعد عام، ولا يرقى أداؤها الفعلي للمستوى المطلوب، بل يكاد ينحصر في عمل شركات ومكاتب تعقيب المعاملات، بينما واقعها التنظيمي مكبّل بالقوانين.