أكد حسن إسميك رئيس معهد السلام للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أن المواءمة بين الدين الإسلامي والقيم الغربية ليست بالمسألة الصعبة، إذ تعكس أغلب هذه القيم، وبشهادة المسلمين أنفسهم، روح الإسلام وجوهره، خاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان وحريته، وتكريس مبدأ المساواة أمام القانون والعدالة بين الجميع، والدعوة إلى قبول الآخر والحوار بالحسنى، وتغليب السلام والتراحم، ونبذ العنف والاقصاء، وتجريم كل ما يسيء للكرامة الإنسانية.
وطالب إسميك، بضرورة تجديد الخطاب الديني من قبل مؤسسات موثوقة في مواجهة الفكر المتطرف، كمؤسسة جامع الأزهر الذي سبق ودعوت في مقالات نشرتها لأن يكون له تواجد فاعل ودائم كمرجعية في جميع البلدان الأوروبية وفي القارة الأمريكية أيضا، فاعتماد بعثات دائمة للأزهر، كفيل إلى حد كبير بنبذ العنف والتطرف الذي باتت تعاني منه هذه الدول أيضا منذ سنوات، والدعوة هنا إلى الاقتداء بالمرجعية المسيحية الأساسية المتمثلة بالسلطة البابوية حين أدركت أهمية دور الأزهر وتأثيره.
وأشار إسميك، إلى أن هذا التعاون بين المرجعيات الدينية الكبرى يطرح مسألتين مهمتين في طريق الوصول إلى جعل الأزهر مرجعية إسلامية عالمية، تتعلق الأولى بتمويل مؤسسة الأزهر ودعمها ماليا بحيث يكون لها ميزانية خاصة بها مستقلة ومكتفية بذاتها، فما تزال الدولة المصرية وحدها حتى اليوم تتحمل نفقات الأزهر، فبمقارنة بسيطة مع الإمكانيات الوفيرة التي يتمتع بها الفاتيكان واعتماده عليها لترسيخ سلطته الدينية الروحية في العالم، نجد أن من واجب العالم الإسلامي دعم هذه المؤسسة الأقرب إلى صورة الإسلام الحقيقي بكافة الوسائل؛ وإن من شأن ذلك دعم الدور العلمي والديني للأزهر، وبالتالي تدعيم وجوده كمرجعية معتدلة تسعى لأن تجمع المسلمين على كلمة حق، وتعيد بناء الوعي الإسلامي بالاستناد إلى دين يهتم بالإنسان وحياته ونموه وتطوره.
بينما المسألة الثانية، فتتعلق بجعل الأزهر مؤسسة دينية سيادية مستقلة بالإطلاق، وخارج الضغوطات والتقلبات السياسية العربية والإسلامية، ومن ثم تناقش فكرة تمثيل دبلوماسي مستقلّ للأزهر، بحيث يتم تعيين سفير للأزهر في كل دولة، يكون مرجعاً للجالية المسلمة ويعمل على الرد بشكل صحيح وموثوق على أي استفسار يرد من حكومات تلك الدول حول مسائل الدين الإسلامي أو أوضاع المسلمين من الناحية الدينية، وتُعدّ تجربة السفارات البابوية نموذجاً مُشجعاً في هذا السياق.
كما يتطلب تحقيق ذلك أن يقوم الأزهر بزيادة كلياته الشرعية في دول العالم الغربيّ والشرقيّ، فتكون منارة لتدريب وتخريج أبناء الأمة في كل مكان، وتؤهلهم ليسهموا في نشر التوعية المبنيّة على تقبلّ الآخر المستندة إلى روح الدين الإسلامي، وهو مطلب ملّح في ظلّ موجات التشدد وانتشار التفسيرات الخاطئة لأحكام القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، والتي تُسيء إلى ديننا الحنيف كما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم، وتشكلّ أساس ظهور المنظمات الإرهابية التي تدّعي أنها تُعلي راية الإسلام وهي بعيدة عنه كلّ البعد.
كما أنّه يساعد على الوقوف في وجه جهات سياسية تعمل على استغلال عواطف المسلمين ونشر الأيديولوجيا التي تبث روح الفتنة لتحقيق مآربها.
وأشار إلى أن العصر الحالي يوصف بأنه عصر التكتلات الكبرى، فإن من شأن اجتماع المسلمين على كلمة واحدة موِّحدة معتدلة إكسابهم قوة سياسية واقتصادية وإنسانية، ولن يصبح ذلك ممكناً دون وجود مؤسسة مرجعية تحظى بالثقة والقبول، تأخذ على عاتقها عبء الدفاع عن القضايا الإسلامية والعربية على بساط من التسامح والعدالة والسلام، بعيداً عن العنف وخلق المزيد من الأعداء وتشويه صورة الدين الحقيقية، واعتقد أن ألف عام من الحضور والفاعلية يُعدّ رصيداً كافياً لمؤسسة عريقة كالأزهر لتكون المرجعية المرجوّة.
تابع: وتحقيق ذلك يتطلب أولاً: اتفاق المؤسسات الإسلامية جميعها – رغم مشاربها المتعددة - على تبني نهج الأزهر ورؤاه فيما يخص قضايا الفكر الإسلامي المعاصر ومشكلاته، وخصوصاً العلاقة مع الغرب والموقف من الديمقراطية ومحاربة الإرهاب.
كما يتطلب أيضا أن تُعلن الحكومات العربية والإسلامية دعمها لهذا النهج والتزامها بفلسفته، الأمر الذي سيؤدي إلى تدعيم مشروعية المؤسسة الأزهرية كممثل عالمي للفكر الإسلامي المعاصر، وبالتالي شريك موثوق لدى الجهات الغربية الراغبة بحل مشكلة الإسلاموفوبيا، والمشكلات الأخرى المرتبطة بالمكون الإسلامي في المجتمعات الغربية، بعيداً عن سياسات الإقصاء والتضييق والعنف والاستغلال السياسي.
ولفت إسميك، إلى أن ذلك التقارب يتطلب تفعيل الحوار الحضاري بين الأديان والثقافات في كل مكان وفي كل مناسبة، ورفض العنصرية والإثنية والجهوية مع الحفاظ على تنوع الهويات ضمن إطار إنساني جامع يهدف إلى سلام دائم.
وشدد على أنه يمكن اعتبار "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" التي وقعها الأب فرانسيس بابا الفاتيكان والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر عام 2019 في أبو ظبي، خطوة مهمة في تفعيل هذا الحوار الحضاري، ووثيقة مرجعية يمكن البناء عليها مستقبلاً باتجاه التطبيع الإنساني بين الشرق والغرب.