صدر حديثًا عن مركز رع للدراسات الاستراتيجية، دراسة جديدة ضمن سلسلة أوراق القاهرة التي يصدرها المركز، بعنوان «سياسات تطوير قطاع الطاقة في مصر»، من إعداد الباحثة «قمر أبو العلا» تحت إشراف «د.أبو الفضل الإسناوي» وحرر البحث «د.أكرم حسام».
يستهدف البحث رصد وتحليل الأهمية الحيوية لقطاع الطاقة في الاقتصاد المصري، والجهود الحكومية المبذولة لإحداث تطوير جذري وشامل بهذا القطاع منذ عام 2014.
وكان قطاع الطاقة في مصر، قد شهد خلال السنوات الماضية، إنجازاتٍ غير مسبوقة، غيرت مشهد الطاقة بالكامل، وقضت على الفجوة الكبيرة بين الطلب والعرض، وتبلورت تلك الإنجازات في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، إضافة إلى تصديرها للخارج، وفوز مشروع توليد الطاقة الشمسية بمنطقة أسوان، كأفضل مشروعات البنك الدولي للعام 2019 تميزًا على مستوى العالم، كما أصبحت مصر مركزًا إقليميًا للطاقة، وصنفت ضمن اكبر 20 دولة على مستوى العالم، من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي، وثالث أكبر منتج له في القارة الإفريقية، وأحد أكبر عشر دول في العالم تمتلك احتياطيات كبرى من الغاز الطبيعي بالمياه العميقة، وذلك وفقًا لتقديرات الموقع الأمريكي «Global Data energy».
تعد الطاقة محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي، حيث تمثل نحو 10% من الناتج القومي للدولة، من خلال أنشطة استخراج البترول، والغاز الطبيعي، والكهرباء، وتلعب الطاقة دورًا هامًا لما لها من تأثير مباشر وغير مباشر على الناتج المحلي للدولة، فكلما توافرت الطاقة بكميات كبيرة، مع تكلفة منخفضة، كلما زاد النشاط الصناعي، وتوافرت فرص العمل، واستمر نشاط الزراعة المُميكنة وعمليات الإنشاء والتعدين، وانعكس كل ذلك على مستويات المعيشة للمواطنين، سواء في توفير فرص لعمل لهم أو توافر السلع المختلفة بتكاليف مُناسبة ووسائل نقل منخفضة التكلفة.
ويرصد البحث الرؤية الاستراتيجية لتطوير قطاع الطاقة في مصر، حيث بدأت الحكومة المصرية في تنفيذ المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 2016، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي بموجب قرض قيمته 12 مليار دولار، بهدف إجراء إصلاحات هيكلية وإدارية لقطاع الطاقة، وإزالة التشوهات السعرية، بما يساعد على التوجيه السليم للنفقات بالموازنة العامة للدولة، وذلك ضمن خطة استهدفت إلغاء دعم الطاقة الذي بلغ نسبته 41% من موازنة الدولة، للوصول بمستويات أسعار منتجات الوقود بسعر التكلفة بنهاية 2019، ورفع الدعم كليًا عن الكهرباء بحلول عام 2021، وتم مد الفترة حتى 2024-2025، بسبب تداعيات جائحة كورونا.
كما يوثق البحث الجهود والإجراءات الحكومية لتغيير معادلات الطاقة في مصر 2014- 2021، فشهد عهد الرئيس «عبد الفتاح السيسي» منذ عام 2014، العديد من الجهود والإنجازات بقطاع الطاقة، تجسدت في مشروعات تطوير قطاع النفط والغاز، حيث شهد إنتاج البترول والغاز الطبيعي طفرة كبيرة منذ عام 2014، بفضل الجهود الحكومية المبذولة لتشجيع عمليات البحث والاستكشاف، بجذب استثمارات عالمية، وخلال الفترة من يونيو 2014، إلى يونيو 2020 تم توقيع 84 اتفاقية جديدة مع شركات عالمية للبحث عن البترول والغاز باستثمار بلغ 14 مليار دولار.
وسعت أيضًا الحكومة المصرية إلى توسيع طاقتها التّكريكية، والتي تعد أكبر قطاع تكريك في إفريقيا، لكن معظمها يعاني التقادم ومشاكل الصيانة، فقامت الحكومة بالعمل على تطوير المصافي وإنشاء وحدات إنتاجية جديدة، متطورة، بما يساعد على زيادة الطاقة الإنتاجية للمصافي.
إضافة إلى استهداف الحكومة سد الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج، وتم الإعلان في يوليو 2018 عن مبادرة، لتقسيط تكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل في المدن والقرى، بقسط شهري 30 جنيهًا، لمدة 6 سنوات.
ويرصد البحث استهداف الحكومة المصرية تنفيذ مشاريع الربط الكهربائي بهدف التحول إلى مركز إقليمي لتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول العربية، والقارتين الإفريقية والأوروبية، موضحًا الإنجازات التي تمت في السنوات الأخيرة، ومنها أتوقيع مذكرة تفاهم لإنشاء سوق عربية مشتركة للكهرباء متكاملة وتنافسية في أبريل 2017 بتوقيع ستة عشر دولة، بالانتهاء من المرحلة الأولى من الربط الكهربائي بين مصر والسودان، بقدرة 70 ميجا وات، التخطيط لتصدير الطاقة الكهربائية إلى العراق، وغيرها من إجراءات اتخذتها الحكومة في هذا الاتجاه.
ويحلل البحث الوضع الراهن للطاقة في مصر والتوقعات المُستقبلية، حيث حققت مصر طفرة في حجم الطاقة المولّدة، وسجلت ارتفاع في حجم الطاقة المولدة، خلال أعوام 2012 - 2013، إلى 2018 – 2019، بمعدل نمو بلغ 21.4%، إضافة إلى تحقيق فائض في الميزان التجاري البترولي، بلع في العام المالي 2018 – 2019، 8.1 مليون دولار، وشهد احتياطي الغاز الطبيعي المصري زيادة بلغت 2221 مليار متر مكعب منذ عام 2016، مقارنة بـ 2185 مليار في عام 2013، وبلغ معدل نمو انتاج الغاز الطبيعي 21% خلال الفترة من 2014- 2019.
وفي الكهرباء أصبحت مصر تمتلك احتياطيًا يوميًا يصل إلى 15 ألف ميجا وات، مما يسمح لها بالتوسع في مشروعات الربط الكهربائي مع جميع دول العالم، للاستفادة من القدرات الاحتياطية المتزايدة بشكل يجذب المستثمرين إلى مصر.
وفي ختام البحث وضحت الباحثة خلاصة المشهد العام للطاقة في مصر، مع وضع التوصيات والحلول للمشاكل، موجهة لصانعي القرار في مجال الطاقة، أبرزها: «إنشاء صندوق للطاقة المتجددة ليكون بمثابة الذراع الاستثماري لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة» و«إصدار نظام لإعفاء جميع أنظمة ومعدات الطاقة المتجددة من الجمارك والضرائب» و«5تخصيص دعم وحوافز حكومية لمشاريع البحث والتطوير لتكنولوجيا الطاقات المتجددة» و«قيام وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية بتركيب سخانات شمسية في المباني الجديدة التي يتم إقامتها حاليا، بهدف تخفيف استهلاك الطاقة».