النفسية في زمن الوباء وتأثيرها في المجتمعات

الثلاثاء 06 ابريل 2021 | 03:59 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

كتبت : جليلة مفتوح

هناك أنواع مختلفة وعديدة من الأمراض والاضطرابات النفسية وأعراضها ،التي تعاني منها فئات متنوعة الطبقات الاجتماعية ،منها طبعا من تصيب الصغار وتلك التي يبتلى بآفتها البالغين.وأكثرها شيوعا بين الناس في عصرنا الحديث هو داء الاكتئاب.

فالاكتئاب من أكثر أنواع اضطراب المزاج شيوعاً ،لكن العديد منا لا يعرف مدى توسعه لينتبه إلى خطورته المتفاوتة بين الناس حوله مثلا ،خاصة تأثيره السلبي على المصابين بأمراض مزمنة ،مثل السكري وعضلة القلب ومن عانوا من جلطات دماغية.والذين قد يتعرضون إلى الموت أحيانا ،سواء تحت تأثير إحباط شامل أو نزعات انتحارية ،وربما أخرى عدائية قد تصل إلى درجة تسميتها بالإجرامية.

فمثلا يوجد اضطراب المزاج ثنائي القطب وما يسمى باللغة الانجليزية :

فالمصاب بأعراضه يفقد اهتمامه بالأنشطة اليومية ،وتفاعله مع الأحداث المفرحة والمحزنة كما قدرته على الاستمتاع بالأطعمة مثلا ،لتأثير الداء الخفي هذا في تفكيره وتصرفاته.حيث تصل نسبة المصابين به إلى 12%، دون تمييز في الاعمار والمراتب الاجتماعية.وإن كانت أغلب الأعراض تظهر على الشخص في العشرينيات من عمره ،بغض النظر عن نوعية جنسه أنثى تكون أو ذكرا.

وهناك أمراض نفسية أخطر منه ،ومنها على سبيل المثال لا الحصر :الفصام والذهان والإعاقات الذهنية الأخرى حسب اختلاف أنواعها ودرجات خطورتها أو بساطتها.

وفي زمن الفيروس التاجي وضرورة العزل الإجباري كحل احتياطي ،لتفادي سريان العدوى بين الناس تزداد خطورة الأمراض النفسية ،على جاملي أعراضها الظاهرة والمخفية ،وبطبيعة الحال تصبح أكثر خطورة على محيطهم.مما يساهم في استفحال درجات المعاناة لدى محيطهم ،وأيضا تفاقم حالات العدائية والإجرام والانتحار بين المصابين.وهذا ما يصدمنا مؤخرا عبر مختلف دول العالم ،سواء عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات إخبارية غيرها ،لتعدد المنابر الافتراضية إلى جانب الرسمية.

ولأن بعض المصابين نتعايش معهم غالب الأحيان على أنهم أسوياء دون وعي منا ،أو لأن غالبنا لا ينتبه أن ابنه أو بنته أو أخاه أو والده ،أو رفيقه في البيت أو العمل مصاب بأحد الأمراض النفسية ،خاصة إذا لم تكن الأعراض عدائية مثلا أو مدمرة.فهذا يجعلنا نتعرض للعديد من المشاكل ،وربما إحدى الكوارث إذا لم نتابع غرابة تصرفات أحبتنا عن قرب ،للنجاح في تلافي الضرر الممكن حدوثه ومعالجتهم ،أوالتخفيف عنهم في أهون الأحوال.

ولتشخيص إصابة فرد بالاكتئاب حسب تحليل الأخصائيين في المجال ،يجب أن يعاني على الأقل من خمسة أعراض لفترة لا تقل عن أسبوعين ،وأن تشتمل على الأقل على العرض الأول أو الثاني من الخمسة الآتية:

أن يعاني الشخص من مزاج اكتئابيّ في معظم أوقاته ،كفقدان الاستمتاع بالأنشطة على اختلافها ،واختلال الوزن بتغيّر درجات الشهيّة المتفاوتة بين رغبة جارفة في الطعام ونفور مطلق منه.والإحساس بانعدام الأهمية أيا يكن دوره في مجتمعه ،إلى جانب الشعور بالذنب الزائد لأتفه الأسباب.إضافة إلى الإصابة بالأرق المستمر أو المبالغة في عدد ساعات النوم ،مما يصيب المريض النفسي بعدم أو انخفاض التركيز.كما أن هناك أيضا الإحساس بالخمول والتعب وعدم الرغبة في فعل أي شيء ،أو غلبة الانفعال في التصرفات.وأخيرا هو أن تخطر على بال الشخص أفكار عدائية ،وربما انتحارية متكررة.

ولا ننسى أنه علينا الانتباه ألا تكون هذه الأعراض نتيجة إدمان الشخص ،على مادة معينة ودواء معيّن ،أو نتيجة مرض عضوي آخر كالجلطات الدماغية، وزيادة إفرازات الغدة الدرقية.وأن يكون هناك تأثير سلبي ملموس من هذه الأعراض ،على حياة الشخص الاجتماعية والعملية.فإذا حدثت أعراض الاكتئاب هذه عند المريض على الأقل لمرة واحدة ،فتشخص حالته بالاضطراب الاكتئابي.

أما إذا خالطتها أعراض متمثّلة بهوس العظمة، وزيادة الثقة بالنفس إلى جانب زيادة نشاط الشخص ، وعدم حاجته لساعات نوم طبيعية، بالإضافة إلى زيادة كلام الشخص وتسارع أفكاره بشكل غير مترابط، واتخاذه لقرارات سريعة وحاسمة بشكل متسرّع كالبحث عن المتعة بغض النظر عن عواقبها ،فهنا يتم تشخيص الحالة على أنها هوس.

أما داء انفصام الشخصية أو ما يسمى بالشيزوفرينيا ،فهو أحد أنواع الاضطرابات النفسية المزمنة، حيث يعاني بسببه الشخص من تغيّرات واضحة في كل اتجاه ،سواء في التفكير والشعور أو العواطف والتصرّفات.ومن السهل أن يسبّب الانفصام عواقب اجتماعية وطبيّة تؤثّر سلباً ،في المريض ومحيطه.وقد يعاني مريض الانفصام من الذهان ،وهو انفصال الشخص عن الواقع.وتنقسم أعراض انفصام الشخصية إلى ثلاثة ،أولها الأعراض الإيجابيّة التي تشمل الهلوسة.فيرى المريض أموراً غريبة وغير موجودة ،أو يشم روائح غير مألوفة.أو مثلا يسمع أصواتاً تأمره بالقيام بأمور ،أو تحذّره من خطر يمكن أن يصيبه.فيصل إلى درجة التوهم مما يجعله يتوهّم ويعتقد اشياء غير صحيحة الحدوث.أو يعتقد خطأ أنه هناك من يتحكّم بعقله ،أو أنه شخص آخر.ويمكن أن تصبح تصرفاته غريبة فيتحدث بطريقة غير مفهومة ،وإذا كانت هذه الأعراض هي ما يعاني منها مريض الفصام ، فستكون فرصة استجابته للأدوية المضادّة للذهان أفضل.

أما الأعراض السلبيّة فتتلخص في الجانب الاجتماعي ،أي في إحساس المريض بأنه فارغ الأعماق ،بالإضافة إلى انعدام أو قلة الاهتمام بالحياة الاجتماعية.وهذه الأعراض إذا ظهرت على المريض فمعناه أنه لا يمكنه أن يستجيب لأدوية الذهان ،بحكم ميله الشديد إلى الانعزال والانطوائية.أما الأعراض الإدراكيّة فيمكن أن تكون عند بعض مرضى الفصام غير ملحوظة ،لكن عند آخرين تكون هذه الأعراض حادة وملحوظة بشكل أكبر ،كأن تؤثر سلبا على أعمالهم و ومسارهم التعليمي.لأنها ببساطة تشتمل على ضعف في الانتباه والتركيز ،وضعف في الوظائف التنفيذية وعمل الذاكرة.

بينما الأمراض النفسية الأخرى فمنها ما يصيب الصغار أيضا كالإعاقة الذهنية ،التي استبدلت حديثا بمصطلح الإعاقة الذهنية عوض التخلف العقلي.وتتّصف هذه المشكلة بالضعف الشديد في أداء الوظائف المعرفية والاجتماعية والاندماج الاجتماعي ،وتحدد خطورة الإعاقة عن طريق شدّة ضعف القدرات التكيفيّة عند الطفل.وعلى عكس ما كان يحصل قديما ،حيث كان الأطباء يعتمدون على معدل الذكاء في تحديد شدّة الإعاقة الذهنية ،فقد استبدلت حديثاً بتمييز قدرة الطفل على التكيّف ،أي بمدى قدرته على التفاعل مع محيطه والمجتمع ككل على جميع الأصعدة ،إضافة إلى تكفله بالاعتناء بنفسه وعدم الاتكال على غيره لفعل ذلك.

والأخطر هو عجز الوظائف الفكرية ،وهو عجز يشمل العجز الكامل عن إيجاد حلول للمشكلات أيا تكون تعقيداتها أو بساطتها ،وأيضا تلقي العلوم والمعارف كما استحالة التواصل الاجتماعي.والأعراض الأخيرة قد تضم داء التوحد ،الذي تضاف إليه العجز عن إجراء حوار مع أي كان ،ونبذ الآخرين بالانغلاق داخل دائرة لا يعيش داخلها غيره ،حتى وإن كان ذكاؤه خلاف المصاب بالإعاقة الذهنية.

ومؤخرا ارتفعت أصوات أطباء وعلماء التفس محذرين ،من آثار وباء كورونا السلبية على الصحة النفسية للإنسان ككل في الوقت الحاضر والمستقبل القريب ،خاصة على المصابين بالاكتئاب والأمراض النفسية المختلفة.

وقال روري أوكونور، باحث جامعة غلاسكو وأحد المشاركين في بحثٍ نشرته دورية ذا لانسيت سايكايتري ،أن "الإمعان في العزل الاجتماعي، والوحدة، والقلق، والتوتر، والإعسار المالي، هي بمثابة عواصف قوية تجتاح الصحة النفسية للناس".

وأوضح أوكونور أن البطالة تصيب أصحابها بالتوتر والاكتئاب ،مما يجعل البعض يلجؤون إلى تعاطي الكحول والمخدرات ولعب القمار ،وأحيانا إلى سلك دروبالتشرد والصعلكة.

وشدد الباحثون على إن الأولوية يجب أن تكون لمراقبة معدلات القلق ، والاكتئاب والإضرار بالنفس والانتحار وغيرها من الأعراض.كما دعا بعضهم إلى استغلال الهواتف الذكية في القيام بمراقبة آنية لحال الصحة النفسية لفئات مجتمعية بعينها ،لا سيما الأطفال والعاملين في الخطوط الأمامية في قطاع الصحة.

وتشير دراسات حديثة إلى معاناة العامة من الإحساس بالإحباط والقلق من جراء العزل ،تحت ظلال جائحة فيروس كورونا.

وأشارت جمعية مايند الخيرية للصحة النفسية في المملكة المتحدة ،بأن العامة يعانون فعليا للوصول إلى ما يحتاجون من دعم.وطبعا تختلف طرق هذا الدعم سواء كان معنويا أو فعليا ،عن طريق العلاج أيا تكن درجاته وسبله.كما عدم التقصير في بذل الجهود لتلافي أو الحد من العنف ،الذي تفاقم أثناء محنة الحجر الصحي.خاصة ما تفوق بشاعته ظواهر التعنيف البدني ،كالتحرش الجنسي بالأطفال وجرائم الاغتصاب ،وفعل ما يجب طبيا ونفسيا وتوعية أسرية لدعم الضحايا.

وقد ندخل هنا إلى دائرة المصابين بانحراف النرجسية ،وتأثير العزل السلبي الطويل على أسرهم خاصة ورفقاءهم في العمل عامة.وهذا موضوع قد يشمل كل الجلادين ،سواء بالعنف اللفظي أو العدوان الجسدي ،وهو مجال شائك متسع لا تحده زوايا ولا حدود.

اقرأ أيضا