" إخوانُكم خَوَلُكُم، جَعَلَهُم اللهُ تحت أيديِكم، فمن كان أخوه تحت يده، فلْيُطْعِمه مما يأكلُ، ولْيَلْبِسُه مما يَلْبَسُ، ولا تكلُفُوهم ما يَغْلِبُهم، فإنْ كَلَفْتُمُوهم فَأَعِيْنُوهُم"؛ عندما أقرأ هذا الحديث النبوي في أمر العبيد والإماء أجدني أمام دلالة إتساع لمعاني أخرى لا تشمل فقط فاقد الحرية، بل كل معاق، سواء كانت إعاقته قد ولد بها أو تسببت فيها حادثة أو صروف الزمان؛ كما أن مفهوم الأخوة هنا يتسع ليتجاوز معنى الشراكة في المعتقد إلى الشراكة في الكينونة الإنسانية، فتهذني في ذلك الصيحة القرآنية - التي هي بمثابة نداء عام إلى الإنسان- في قوله تعالى : “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”. وقوله تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ”، والتكريم يستوجب بالطبع حقوقا للمعاق، لابد على السليم منّا أن يؤديها له, كحقّ التعليم والتدريب، وفي هذا أشير إلى المثل الشعبي الصيني "لا تعطينى سمكة ولكن علمنى كيف اصطاد".
إن للمعاق أيضا حقّ العمل، كي يتمكن من الاندماج المجتمعي فلا يشعر بالاغتراب عنه، وبالتالي يمكنه المشاركة برايه في كل الأمور المجتمعية والسياسة، ليصبح الفقد الذي أصيب به المعاق في جسده كأنه لم يكن؛ والمشاهد لحالة المعاق يجده كأنه إنسان تائه في صحراء الحياة لا يرى أمامه، فيتسائل أنّى له الخروج من دوائر التيه التي نسجتها إعاقته حوله ؛ وعليه فإن مشاركة المجتمع في عملية توجيهه وتعبيد الطريق أمامه قد أصبحتا أمراً حتمياً بديهيا وفرضاً عينياً وخاصة في عالمنا المعاصر المتغير بوتيرة سريعة؛ وأرى أن من لا يفعل ذلك آثماً، وفي هذا يستحضرني ما ورد في الكتاب المقدس :"ملعون من يُضِل الأعمى عن الطريق ".
من واقع دراستي للمجتمع الألماني أجدني أمام مثال تنعكس فيه مُثلاً جديرة بالإعجاب في التعامل مع المعاق Der Behindert، تقوم عليه جمعيات ومؤسسات حكومية وغير حكومية، منها على سبيل المثال "الرابطة الاتحادية لذوي الإعاقة البدنية والمتعددة "و"الرابطة الاتحادية لمساعدة المعاقين جسدياً و"الرابطة الاتحادية للمكفوفين أو والذين يشكون من إعاقة بصرية" و"الرابطة الاتحادية للصم" و"اتحاد مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة العقلية"....الخ؛ كما أن في كل منطقةبألمانيا دائرة رسمية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، مسؤولة عن ترتيب شؤونهم وتقديم الاستشارة لهم؛ كما أن الحكومة الألمانية تقوم بإعفاء الأشخاص شديدي الإعاقة من دفع ثمن تذاكر المواصلات العامة، وكذلك مرافقيهم إذا دعت الحاجة؛ ويستوي في ذلك كل من هو على الأرض الألمانية، حتى ولو كان من اللاجئين؛ وغالبية الجامعات الألمانية تخصص بعض المقاعد لذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفر لهم كل الأدوات اللازمة للمضي قدما في دراستهم؛ وجدير ذكره أن الدستور الألماني قد أشار إلى أنه لا يسمح بالتمييز ضد أي شخص بسبب إعاقته.
نفس الأمر نجده في الدستور المصري، الذي جاء فيه أن "الدولة تلتزم بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام، صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالًا لمبادئ المساواة والعدالة"؛ ورغم كل المشاكل الاقتصادية في بلادنا، التي يمكنها أن تتسبب في عدم القدرة على منح المعاقين حقوقهم بصورة مكثفة، فإنه ثمة مجهودات بدأتها لجان خدمة المجتمع وتنمية البيئة بالجامعات المصرية ضمنها جامعة الأزهر الشريف، تحاول قدر الإمكان تقديم المساعدة لمن فقدوا من أجسادهم ما يؤهلهم العيش بشكل سَويّ؛ ومن مقامي هذا أناشد كل من له قلب سليم من رجال الأعمال أن يمد يد العون من أدوات لازمة تعين المعاق في حياته ومعاشة، حتى لا يصير عالة على مجتمعه ، وعُرضةً للانحراف، خاصةً حين شعوره بالافتقاد بعدما ذاق ألآم الفقد!