في كل عام من هذا الوقت يتعمد السلفيون إثارة الجدل، فيسعون للظهور على الساحة من خلال فتاويهم التي وصفها الكثيرون بالشاذة كونها لا تعبر عن الواقع، ولأنّهم يستغلون أي حدث للخروج بفتوى مغايرة له من أجل الحصول على الـ"شو" الإعلامي، وفي كل مرة ينجحون في ذلك، تلك المرة كانت فتاوى الجماعة السلفية ومن على شاكلتهم هي تحريم الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية، ولم يكتفوا بذلك فقط بل أيضًا كفروا أي شخص يهنئ الإخوة الأقباط في عيدهم ويعتبرونه خارج الملة.
العديد من شيوخ السلفية وعلى رأسهم ياسر برهاني، خرجوا لتحريم الاحتفال بالكريسماس، ليس ذلك فقط بل أيضًا تحريم تهنئة الأقباط بعيدهم، زاعمين أنه من الأمور المتفق على النهى عنها عند الصحابة والسلف رضوان الله عليهم، وضروبا مثالًا بأنّهم ينكرون الاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام ويعتبرونه بدعة، فكيف لهم أن يحتفلوا بميلاد المسيح ، متابعين أنّ المسلم الذي يقر بهذا الاحتفال لا يخلو من حالتين أن يعلم أن هذا الاحتفال محرم وهذا لا عذر له فلا يجوز له أن يهنئهم ولو على سبيل المجاملة.
ولم يكفهم تحريم الاحتفال فقط، بل أيضًا أقروا بأن من يعتقد بصحة هذه العقيدة ويهنئ ويحتفل مع المسيحيين، يكون خارج عن الملة، لأنّ الأعياد في اعتبارهم هي ما جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لكن عيدهم هذا باطل لأنهم يحتفلون فيه بميلاد المسيح.
الإفتاء كان لها رد على هذا الأمر، حيث رصد المؤشر العالمي للفتوى عينة من تلك الفتاوى والتي بلغ قوامها 3000 فتوى على مستوى العالم، تمثل القطاعات الرسمية وغير الرسمية بجانب التنظيمات الإرهابية، موضحًا أن الفتاوى الخاصة بالكريسماس تمثل 2% من جملة الفتاوى المنشورة عالميًّا، في حين أنها تمثِّل 70% من جملة الفتاوى الصادرة بحق المسيحيين على مستوى العالم.
عدد من مشايخ الأزهر الشريف، خرجوا للرد على فتاوى السلفيين بشأن تحريم الاحتفال وتهنسة الإخوة الأقباط بعيد الميلاد الجديد بانّها فتاوى غير شرعية وباطلة، فاحتفال الكريسماس هو احتفال المسيحيين بميلاد المسيح من كل سنة ونحن كمسلمين ليس عندنا تاريخ محدد لمولد المسيح عليه السلام، فإذا احتفلنا به في نفس الوقت فليس بأساً بذلك ما دام الاحتفال لم يخرج عن ضوابط الشرع الحنيف كما نحتفل بميلاد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بتذكر سيرته وإطعام الطعام والإحسان إلى الناس وتهنئة الغير، واستدلوا بقوله تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
كما أنّ المسلمون يؤمنون بأنبياء الله تعالى ورسله كلهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، ويفرحون بأيام ولادتهم، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرا لله تعالى على نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورا ورحمة، وقد أشار الله عن سيدنا عيسى:"والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا" فإذا كان الأمر كذلك، فإظهار الفرح بهم، وشكر الله تعالى على إرسالهم، والاحتفال والاحتفاء بهم؛ كل ذلك مشروع، بل هو من أنواع القرب التى يظهر فيها معنى الفرح والشكر لله على نعمه، كما أن فيه تأسيا بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم القائل فى حقه: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم فى الدنيا والآخرة، ليس بينى وبينه نبى".