يوسف شاهين، من أبرز صناع السينما العربية، وهو مخرج من نوع خاص لا يشبه إلا نفسه، عُرف عنه بحثه الدائم عن تقديم أعمال فنية تليق بمستوى السينما العالمية، ولم يكن مخرجًا فقط، بل هو ممثل ومخرج ومؤلف سينمائي.
قدم يوسف شاهين أكثر من خمسين فيلمًا سينمائيًا من إخراجه، تنوعت بين الأفلام الطويلة والقصيرة، وشارك في بعضها كممثل، مثل فيلم "باب الحديد" من بطولته، بالإضافة إلى عدد من الأفلام التي ظهر خلالها بشخصيته كمخرج الفيلم، منها فيلم "حدوتة مصرية"، والذي ظهر في بدايته في مشهد مميز، إذ ظهر وهو يصرخ مخاطبًا أحد المساعدين قائلًا "يمين إيه ح تخش في الحيط"، وذلك بصفته يوسف شاهين المخرج وليس الممثل.
من ضمن الأعمال التي قدمها يوسف شاهين، كان هناك أربعة أفلام مرتبطة ببعضها البعض، قدم خلالها سيرته الذاتية، بداية من ميلاده، ونقل خلالهم جانبًا كبيرًا من مشواره الفني، وأهم لحظات نجاحه وفشله، وصراعاته النفسية، ومشاكله الأسرية، ولم تكن من الأفلام المُتسغرقة في الذاتية، فلم تقف هذه الرباعية السينمائية، عند حدود نقل سيرة ذاتية لمخرج بل كانت تسعى لتقديم جانب من الحياة المصرية، والمواطن العربي بوجه عام.
كانت بداية رباعية سيرة حياة يوسف شاهين عام 1978، حيث قدم فيلم "إسكندرية ليه"، وشارك بنفسه في كتابة الفيلم مع الكاتب محسن زايد، لم يقدم خلاله جانبًا من سيرته الذاتية فقط، إذ يقدم الفيلم طبيعة الحياة الاجتماعية في الإسكندرية أثناء الحرب العالمية الثانية، من خلال علاقة حب بين شاب وفتاة يهودية، وتناول تفاصيل من الحياة السياسية وتتمثل في النضال ضد الاحتلال الإنجليزي، في مدينة الإسكندرية.
الفيلم الثاني "حدوتة مصرية"، والذي عُرض عام 1982، يتناول الفيلم الأبعاد الإنسانية في شخصية يوسف شاهين، لذلك جاءت أغنية الفيلم التي كتبها عبد الرحيم منصور، وغناها محمد منير معبرةً عن ذلك، حيث يقول "لا يهمني اسمك، لا يهمني عنوانك، يهمني الإنسان، ولو مالوش عنوان"، الفيلم يتناول الأزمة النفسية التي مر بها يوسف شاهين بسبب مجموعة من الشخصيات التي مرت في حياته، وأفراد أسرته.
استخدم يوسف شاهين خلال الفيلم مجموعة من التقنيات المسرحية، منها تقنية الحقيقة والظل، وتقنية المحاكمة، حيث تدور الأحداث حول خضوع شاهين لعملية جراحية، وخلال العملية يستغرق في حلم يشاهد خلاله محاكمة لأفراد أسرته وأستاذه وأفراد من عائلته، وهم جميعًا من الشخصيات التي سببت له العديد من المشكلة النفسية، وتركتْ أثرًا سلبيًا في شخصيته.
الفيلم الثالث "إسكندرية كمان وكمان"، عرضه عام 1990، وشارك في كتابة الفيلم كلٌ من يوسف شاهين، وسمير نصري، ويسري نصر الله، الفيلم يتناول قصة صراع الممثلين والفنانين مع السطلة الحاكمة، حيث دارت الأحداث حول اعتصام الممثلين في النقابة احتجاجًا على سلطة القمع التي اتبعتها الحكومة ضد الممثلين في ذلك الوقت، بالإضافة لجانب آخر يتناول علاقة يوسف شاهين بالممثل محسن محي الدين الذي كان صديقًا مُقربًا له، ثم انتهت العلاقة بخلافات شخصية.
"إسكندرية نيويورك" هو الفيلم الأخير في هذه الرباعية السينمائية، عُرض عام 2004، لم يقف هذا الفيلم الأخير عند تقديم جانب من حياة يوسف شاهين، بل تناول الفيلم فكرة رفض الولايات المتحدة الأمريكية لك ما هو عربي، والصراع الحضاري القائم بين الطرفين، وبالإضافة إلى ذلك كان الجانب الآخر من حياة شاهين، والذي تناول قصة حبه من حبيبة قديمة، كانا قد اقترقا ثم تقابلا بأمريكا مرة أخرى.
يذكر أن اليوم الذكرى الـ11 لرحيل المخرج يوسف شاهين، حيث رحل في مثل هذا اليوم 27 يوليو، عام 2008، بعد عمر ناهز الـ82 عامًا، بعد حياة حافلة بالنجاح والصراعات الفنية، وإثارة الجدل بسبب أعمالها التي حاولتْ دائمًا أن تطرح الكثير من الأسئلة حول كل الموضوعات الاجتماعية.