"قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه".. كلمات نُقشت في الكتب، وعلقت في الأذهان، رحل صاحبها عن عالمنا في العام الماضي، برصاصات الغدر التي جلعت أرض سيناء ترتوي بدمائه، وظلت تلك الكمات الوطنية، هي الذكرى الوحيدة التي تربطنا بهذا البطل، والتي ستكون سببًا في أن يُخلد أسمه بين الأبطال على مر العصور القادمة.
اليوم السابع من الشهر الجاري، يوافق الذكرى الأولى، لرحيل البطل المقاتل العقيد أحمد صابر المنسي، قائد الكتيبة 103 صاعقة، الذي رُفعت روحه إلى بارئها بعدما استشهد برصاصات الغدر مع عددًا من أفراد كتيبته في كمين "مربع البرث" بمدينة رفح، بعد اشتباكات مع عناصر الجماعات الإرهابية التي تركزت في أرض سيناء آنذاك، حيث لم يترددوا لحظة واحدة في تقديم أرواحهم ثمنا للدفاع عن الوطن، ولتروي دمائهم الذكية أرض الفيروز، أو أرض الأنبياء كما تسمى.
هذا اليوم المشؤوم كان شاهدًا على أكبر هجوم إرهابي شنته العناصر التكفيرية، كانت أشبه بمعركة حربية في التخطيط والتنفيذ والتمويل، دارت بين قوتين، حيثنجح فيها جنودنا الأبطال في إفشال مخطط الأعداء، ولم يسمحوا لهم بتحقيق أي من أهدافهم الدنيئة، ولم يمكنهم الأبطال الذين ضحوا بدمائهم حتى آخر قطرة، من أن يكون لهم موطأ قدم في هذه المنطقة الحيوية.
المعركة
الوضع هادئ للغاية، والجو شديد الظلام، والسكون يعم أرجاء المكان، حيث عقارب الساعة تشير إلى الرابعة فجرًا، بينما يقف الجنود في أماكنهم على وضع الاستعداد طوال الوقت، وفي الجانب الآخر يتسلل عناصر تكفيريين من بين الصخور والجبال، بإحدى السيارات المفخخة، التي تم تدريعها جيدا وتمويهها داخل إحدى المزارع، وفجأة أضاءت السيارة أنوارها، وبدأت تقترب من كمين البرث في منطقة رفح، تعالت الأصوات وتعالت معها تبادل الرصاصات بين قوات الأمن والعناصر التكفيرية، ولشدة تدريع السيارة، انفجرت قرب الكمين، وخلال دقيقة كانت بقية القوات فى أماكنها، ترد بشراسة على الإرهابيين.
وفى الوقت نفسه كان هناك نحو 12 عربة كروز محملة بالسلاح والإرهابيين، الذين أتوا من جميع الاتجاهات وقاموا بتطويق الكمين بالكامل.
الموقع الذي حدث فيه هذا الهجوم الإرهابي، كان في قرية البرث وهو موقع جغرافي في جنوب رفح، بالقرب من المنطقة الحدودية مع الشيخ زويد، وهي بذلك تقع ضمن نطاق المنطقة "ج" في اتفاقية كامب ديفد بين مصر وإسرائيل.
تعتبر قرية البرث معقلًا لقبيلة الترابين، التي أعلنت في وقت سابق حربها على تنظيم "ولاية سيناء"، وأدت معارك نشبت بينهم إلى مقتل القيادي البارز في القبيلة، سالم لافي.
ماذا فعل المنسي وأفراد كتيبته
دارت الاشتباكات بين قوات الأمن والجماعة الإرهابية، ظل المنسى ورجاله صامدون في وجه العناصر الإرهابية حيث قاتلوا وردوا على العدوان بكل قوة وشجاعة وثبات ورفضوا أن يقتحم هؤلاء الكمين، وأن يرفعوا رايتهم عليه كما أرادوا، فقد كانت نيتهم السيطرة على الكمين ورفع أعلامهم، لذلك أتوا بنحو 100 فرد تكفيري، ولكن استبسال أفراد القوات المسلحة والتصدى لهم، أفشل مخططهم.
وكان ثمن هذا الصمود شهداء وأرواحا صعدت إلى بارئها، بكل شرف وعزة، حيث سقط فى هذه المعركة الشهيد المنسى وعدد من رجاله الأبطال، وفى المقابل تم قتل أكثر من 40 تكفيريا وتدمير 6 عربات تابعة لهم على يد أبطال الكمين.
من هو المنسي
الشهيد البطل العقيد أح أحمد صابر المنسي، وُلد في مدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية عام 1977 م والتحق بالكلية الحربية و تخرج ضمن الدفعة 92 حربية ضابطًا بوحدات الصاعقة، خدم الشهيد لفترة طويلة في الوحدة 999 قتال وحدة العمليات الخاصة للصاعقة بالقوات المسلحة والتحق بأول دورة للقوات الخاصة الاستشكافية المعروفة باسم "SEAL"عام 2001، ثم سافر للحصول على نفس الدورة من الولايات المتحدة الأمريكية عام 2006.
حصل الشهيد على ماجستير العلوم العسكرية "دورة أركان حرب" من كلية القادة والأركان عام 2013 وتولى الشهيد قيادة الكتيبة "103" صاعقة خلفًا للشهيد العقيد رامي حسنين الذي استشهد في شهر أكتوبر عام 2016، والشهيد كان مشهودًا له بالكفاءة والانضباط العسكري وحسن الخلق من الجميع وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال.
كيف استشهد المنسي
استشهد البطل العقدي أحمد المنسي نتيجة إصابته بطلقة رصاص واحدة في مؤخرة الرأس من عيار 12.5 مم، حيث كان "المنسي" فوق سطح المبنى الذي تمت محاصرته، وكان الشهيد "المنسي" في تلك اللحظات يطلق النيران على الإرهابيين من فوق سطح المبنى للدفاع عن الكتيبة وباق زملائه.