فى عام 1932 شهدت صناعة السينما حدثا كبيرا وهو ظهور الأفلام الناطقة، وتوارى الأفلام الصامتة التى لم يعد لها مكان فى الصناعة، وتم إنتاج وعرض فيلم " أولاد الذوات "، وهو أول عمل مصري ناطق قام ببطولته الفنان يوسف وهبي، والنجمة الكبيرة أمينة رزق، إخراج محمد كريم.
"أولاد الذوات" يحكى قصة المصرى "يوسف وهبي" الذى تزوج فرنسية وخانته، فقال لها فى الفيلم "يا امرأة الكل.. يا مزبلة التاريخ"، والفيلم كان بمثابة رسالة قدمها عميد المسرح العربي عبر شاشة السينما، أزعجت الغرب كثيرًا، خاصة الفرنسيين، حيث استهجنوا فكرة أن يصف العرب المرأة الفرنسية بـ"المادية الكاذبة!".
القصة مستلهمة من قضية شاب مصري ثري يُدعى " علي فهمي "، كانت تجمعه علاقة حب بـإمرأة أجنبية، في لندن، ودون أسباب تُطلق عليه النار، ووقف محاميها أمام المحكمة مهاجمًا الشرقيين واصفًا إياهم بـ " التخلف والوحشية "، بدلًا من الدفاع عن موكلته، ولم يُقدم دليلًا واحدًا على وحشية " فهمي "، غير أنه رجل " شرقي متوحش جنسيًا " لا يفي بوعوده في الإنفاق، وحصلت " مارجريت " التي قتلت فهمي على البراءة.
الأمر أثار غضب قطاع كبير من المصريين، ومن ضمنهم النجم الكبير يوسف وهبي والمخرج محمد كريم وقررا إنتاج فيلم يسرد تلك القصة فكان " أولاد الذوات "، الفيلم الذي أثار جدلًا واسعًا، ودفع الصحف الغربية لمهاجمة القائمين عليه، وقد صرح يوسف وهبي، خلال لقاء نادر له، إنه أصر على أن يكون " أولاد الذوات " هو أول فيلم ناطق، وذلك دفاعًا عن الشرق الذي وصفه الغربيون بأنه همجي ومتوحش وتافه أثناء محاكمة المرأة التي قتلت الشاب المصري.
وغضب الغربيون كثيرًا فكيف للشرق أن يصف المرأة الفرنسية بـ الكاذبة المادية ؟ واعتبروها إهانة للغرب، وهاجمت الصحف الغربية صناع الفيلم، وتتهم مؤلفه ومخرجه بأنهما يروجان للمبادئ الهدامة ويحرضان المصريين ضد المرأة الاجنبية، فضلا عن تحقيرها، واشتدت حملة الصحف الأجنبية على الفيلم، مما اضطر وزارة الداخلية، أن تكون لجنة برئاسة أحد الانكليز الموظفين في الوزارة وقتئذ لمشاهدة الفيلم، وأوضحت اللجنة ان الفيلم ليس فيه ما يستوجب الاعتراض عليه.
تم تصوير الفيلم بين مصر وباريس، وعرض للمرة الأولى في 14 مارس 1932م، وجمع عددًا من رواد الفن في مصر، إذ أخرجه محمد كريم، وشارك في التمثيل يوسف وهبي، ودولت أبيض، وأمينة رزق، وشاركت كوكب الشرق أم كلثوم بالغناء فيه، وحمل رسالة من يوسف وهبي إلى الغرب مفادها أن الشرقيين ليسوا وحوش أو مجتمع رجعي بل النقيض هو الصحيح، فالكثيرات من السيدات الأجنبيات تتطمع في أموال الشباب المصريين، ولا تحترمن الكرامة والشرف ولا الأخلاق.
أيضًا واجه الفيلم مشكلة أخرى في تكلفة الإنتاج، حيث كان من المقرر تصويره في "برلين"، إلا أن التكلفة العالية منعت فريق العمل من التصوير بإنجلترا وسافروا إلى فرنسا، والمفارقة أن الفيلم الذي هاجمته الصحف الغربية على رأسهم فرنسا، واتهمته بإهانة المرأة الفرنسية شارك فيه عدد من الفنانين الفرنسيين بينهم الممثلة " كوليت دارفوي ".
فيلم "أولاد الذوات" بطولة يوسف وهبي،دولت أبيض، سراج منير، أمينة رزق، إخراج محمد كريم، وكان قد عرض لأول مرة "زي النهارده" فى١٤ مارس ١٩٣٢.