وقفت الصغيرة تنظر في شرود إلى جثمان أبيها ، تبكى في صمت تمسك بيد شقيقتها التي لم تكف عن النداء عليه، فقد أخبرهم للتو أنّه سيعود مسرعًا من عمله ولن يتأخر كثيرًا، لكنّه لم يعد لأول مرة يخلف والدها وعده ، ظلت تنتظره طوال الليل حتى غلب النوم عليها كانت تردد أنّها ستعنفه كثيرًا فور عودته للمنزل بسبب تأخره لم تدري الصغيرة أنّ أبيها لن يعود مجددا فقد خرج من المنزل بلا عودة تتذكر ابتسامته الآخيرة وهو يودعها ، المشهد الآخير وهو يحتضن أشقائها الصغار على باب المنزل، تلك المشاهد التي سيكون مصيرها الذاكرة فقط ولن تتكرر مجددا.
"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" تلك اللافتة التي تقدمت الجثمان، جنازة مهيبة لبطل مغوار، شهيد جديد كتب اسمه بحروف من نور في قائمة شهداء الوطن، قبل ساعات رحل بطل آخر من أبطال تفجير الدرب الأحمر، إنّه الشهيد المقدم رامي هلال، أحد ضباط الأمن الوطني، والذي ضحى بحياته من أجل اللحاق بإرهابي حاول استنزاف أرواح الكثيرين من أبناء الوطن.
لم يدري الشهيد رامي هلال أنّه سيفوز بمحبة الملايين بعد رحيله، كتب عنه الجميع عنه كلمات تعبر عن بطولاته، تذكره الأصدقاء بمواقف جمعت بينهم، ونعاه الأهل بأعمال خير كان سباق بها، كانت جنازته أشبه بزفة الأهل لابنهم العريس، لم تخلوا من الهتافات بإسمه، "ياشهيد نام وارتاح واحنا نكمل الكفاح"، كان رامي يتمناها دائمًا حان الوقت للحصول عليها.
4 من الأطفال 3 من الفتيات وطفل صغير أكبرهم لم تتخطى حاجز العاشرة، صغارًا فقدوا للتو سندهم في الحياة، زوجة أفجعتها الصدمة وأم ما زالت تكذب الواقع تجلس في انتظار عودة ابنها، لكنّ القدر كان له رأي آخر، الشهيد آيضًا كان يتمنى اختيارهم لكنّ واجبه تجاه الوطن جعله يفضله عن أبنائه، خرج من المنزل إلى مأمورية لضبط إرهابي يعلم جيدًا أنّه من الممكن أن يكون بحوزة هذا الإرهابي متفجرات، لكنّه لم يهاب الموت أقدم عليه ببطولة كما تعلّم في صغره "نموت نموت ويحيا الوطن" الشعار الذي التصق في ذهن الشهيد حتى بات رجلا يافعا، يحمل سلاحه بالفعل لينفذ ما حفظه في صغره، الموت لأجل الوطن.
فبل عدة أشهر وتحديدا في أكتوبر من عام 2018، ترقى الشهيد رامي هلال إلى رتبة مقدم بالأمن الوطني، تلك الرتبة التي حصل عليها بعد جهد وعناء، لكنّه اليوم، حصل على رتبة أكبر وسام شرف سيلاصقه مدى الحياة، وسيعيش صغاره يفتخرون به طوال حياتهم، "الشهادة".