تفتح السماء عينيها وتغنى العصافير أجمل ألحانها ويصيح الديك احتفالا بسماع أذان الفجر وبنور السماء الصافي، لبدء رحلة جديدة وشاقة لأصحاب الأرزاق الذين يسعون لقوت يومهم، الذى يأتي بعد رحلة مليئة بالمتاعب طول اليوم.
من تلك الكلمات ذهبت "بلدنا اليوم " لتلقى الضوء عليهم والتعرف على إحدى الرحلات الشاقة والمتعبة لهم .
سعاد محمد عبد الكريم ، المرأة الخمسينية ، المقيمة بقرية "ديروط أم نخلة " إحدى قرى مركز ملوى جنوب غرب محافظة المنيا، بائعة طيور، وأم لثلاث أطفال، زوجها يعمل فلاح بالأراضي الزراعية ويتقاضى أجره باليومية، يستيقظون مع ضوء الفجر، وسماع صوت العصافير الرنان الذي يملأ القرية ليبدأ يوم جديد من أيام الشقاء والكفاح، يذهب زوجها إلى الأرض الزراعية ليبدأ عمله من الصباح الباكر وينتهى منه عند غروب الشمس.
تبدأ الرحلة بالتوجه إلى محطة القطار في تمام الساعة السادسة صباحًا وسط الضباب والبرد الشديد، وهى تحمل على عاتقها أقفاص مليئة بالطيور بأنواعها المختلفة، ذاهبة إلى السوق الكبير بمركز "ملوى"، حتى تتمكن من بيع الطيور إلى الأهالي لتحصل رزقها اليومي وحتى تتمكن من شراء غيرها من صغار الطيور وتبدأ تربيتهم في المنزل وإطعامهم حتى يصبحوا صالحين للبيع مع الطيور الأخرى في السوق .
وعند الوصول إلى المحطة الرئيسية للمركز، تحمل الأقفاص من جديد وتسير على أقدامها حوالى 2 كيلو متر، حتى تصل إلى السوق لتوفير أجرة السيارة التي ستنقلها من المحطة إلى السوق لظروفها المعيشية الصعبة، وعندما تصل إلى مكانها المقرر أنه لها بالسوق تبدأ وضع الاقفاص والجلوس بجانبها، وتنادى بصوتها العالي الرنان على أنواع الطيور التي بحوزتها داخل الأقفاص حتى تستطيع جلب الزبائن إليها والابتسامة لا تفارق وجهها البشوش المليء بالحيوية والنشاط .
عند الظهيرة وسماع الآذان تتوقف "سعاد " عن المناداة، وتأخذ قسط من الراحة لتتناول الطعام والشراب من محل "الفلافل" الذى بجوارها لتستعيد قوتها ونشاطها من جديد واستكمال اليوم إلى نهايته دون الإحساس بالضعف والإرهاق الجسدي الذى يصب عليها عند ساعات النوم في نهاية اليوم، وتستكمل بائعة الطيور عملها بعد الاستراحة التي لا تتعدى الخمس دقائق لتبيع المتبقي من الطيور داخل الأقفاص.
تستمر " سعاد " في البيع وسط ازدحام السوق والبائعين أمثالها في مختلف المجالات، والشد والجذب مع الزبائن في الأسعار التي تعد مشكلة كبيرة تقابلها كل يوم لأنها تؤدى إلى انفعالها العصبي وتفقد جزء كبير من طاقاتها مع مثل هؤلاء الزبائن .
بعد صلاة العصر تكون انتهت من بيع الطيور ، فتشد رحالها عن السوق وتتجه ‘لى تاجر الطيور التي تتعامل معه بشكل مستمر سيرًا على أقدامها الحديدية.
تتجه بعد ذلك إلى محطة القطار من جديد لتعود إلى بيتها في القرية حاملة كل تلك الأشياء على رأسها بجانب الخضروات بأنواعها المختلفة التي سيتم تحضيرها في البيت لإطعام زوجها وأولادها الصغار، وتجلس بعد ذلك لترتاح من مشقة اليوم الذي يبدأ بدعوة إلى الله وينتهي بحمده وشكره على رزق اليوم.