نحو 6 أعوام مرت منذ أن تلقت «هويدا حسن» الخبر الذي نزل كالصاعقة عليها، إستشهاد ولدها إثر رصاصة غدر إخترقت مُقدمة رأسه، فخر صريعًا وفاضت روحه إلى بارئها في أحداث «الحرس الجمهوري».
أعوام ست كان اليوم فيها يساوي ألف عامٍ من الألم والعذاب النفسي، ورغم أن ذاكرة الناس بطبيعتها قصيرة، ويضيع في غمرة زحام الحياة تفاصيل هامة، إلا أن التفاصيل الصغيرة لإبنها الشهيد «محمد علي المسيري»، تُحاصرها وتعيش معها.
”محمد“ الطفل الصغير،الذي كان يحلم أن ينال يومًا الشهادة، وكان يحلم أن يكون شُرطيًا، تفاصيل لعبه وحلمه الذي ظل يكبر معه حتى حققه، وعمل بعد تخرجه في قوة قسم مدينة نصر أول، تفاصيل ضحكه وروح البهجة التي كان ينشرها في كل من حوله، أهله وأصدقاؤه وزملاؤه وجيرانه.
”محمد كان طيب جدًا، أطيب من الطيبة"، تقول الأم المكلومة.. وتتابع وصف خصاله الطيبة:"لم يكن يتعامل مع الناس بطريقة فوقية وأنه "ضابط شرطة"، كما يتخيل الناس في تصورهم النمطي، بل كان يسعي لتجميع أصدقاؤه القدامى، ليقضي معهم أجازته في الخروج واللعب والهزار.
منذ إستشهاد ولدها، تشهد حالتها الصحية تدهورًا مُستمرًا، زاد النزيف على شبكية عينيها، ينصحها الطبيب بتجنب الحزن والإنفعال والدموع تقول بصوت حزين لكنني "مبسمعش كلام الدكتور"؛ فكما يزيد حب الأم لأبناؤها بمرور السنين، كذلك تزيد مرارة الفقد.
منذ قرابة عامين(2017)، توفي زوجها كمدًا ليتركها وحيدة فريسة لحياة أضحت كل أيامها كفصل الخريف من ذبولٍ إلى ذبول، لتزيد معاناتها كان كلٍ منهم يحاول أن يُخفف عن الآخر قتامة الحياة،تقول:"كنا بنسند بعض، والوضع دلوقتي صعب"، الآن أصبحت وحيدة، لا شيئ في الحياة يعوضها، ويؤلمها أن الناس صاروا يستهينون بتضحيات رجال الشرطة، وينظرون للأمر أنه بات عاديًا مبررين الأمر أن الشهداء كثيرون، لكنها على العكس منهم إذا طالعت خبرًا أو شاهدت فيديو عن جنازة شهيد، فسرعان ما لا تكمل المتابعة لأنها تتأثر جدًا، وتسترجع ألم الفاجعة كأنها تتلقاها للمرة الأولى، ويعتصرها الألم من داخلها.
لم يغب ولدها عنها لحظة منذ غيابه، وكما هو حاضر في قلبها وعقلها، بل تراه في منامها كثيرًا، وفي إحدى المرات تقول أنها كانت بين الحقيقة والنوم رأته يقرأ في "المصحف"، وظل جسدها يرتجف.
الذكريات الصعبة والفقد الكبير، لم يمنعا «هويدا» أن تؤكد أن الأيام لو عادت لم تكن لتمنع فلذة كبدة من تحقيق حُلمه، أن يكون جنديًا يتقرب لله بدمه فداء لوطنه.