المرض القاتل.. «جدري الأبقار» يهاجم مليوني رأس ماشية
بيطريون: الجلد العقدي ليس خطيرا ولكنه تحول إلى فيروس قاتل
برلمانى: يهدد الثروة الحيوانية.. والوحدات البيطرية غير مؤهلة
نقيب الفلاحين: مفعول المصل صفر.. وتسعيره أدى لعزوف الفلاحين
كارثة تهدد الأمن القومى والاقتصاد المصرى، شهدت بدايتها بعض محافظات مصر، بنفوق آلاف الحيوانات بسبب انتشار مرض الجلد العقدى، وهو مرض قاتل يؤدى للقضاء على الماشية فى أسرع وقت.
وأعلنت مديريات الطب البيطرى بكل محافظات مصر حالة الطوارئ لمواجهة هذا المرض اللعين -المعروف لدى الفلاحين بـ«جديرى الأبقار» ومحاولة السيطرة عليه، وخاصةً بعدما علمت هيئة الطب البيطرى أن المصل الذى يحقنون به الحيوانات لا يأتى بنتيجة وليست له جدوى؛ بسبب أنه موجود من العام الماضى، والوزارة لا تجرى أبحاثًا لتطويره بأنواعه المختلفة.
اتحاد شباب الصعيد، طالب وزير الزراعة بتكثيف عمليات تحصين الأبقار والحيوانات ضد المرض الذى أدى إلى نفوق مئات رؤوس الماشية، بداية من جنوب الجيزة بالصف وأطفيح إلى بنى سويف والفيوم ثم المنيا وأسوان، الأمر الذى يهدد الثروة الحيوانية وتناقصها بشكل تدريجى حيث تقدر بنحو 230 مليار جنيه.
وبحسب وزارة الزراعة، فإن حجم الإنتاج الحيوانى يقدر حاليًا بنحو 2.3 مليون رأس ماشية.
الوعي البيطري
قال محمد نشار، عضو هيئة الرقابة على المجازر، إن نفوق الأبقار يرجع إلى عدم اهتمام الفلاحين بالتحصين، لافتا إلى أنهم ليس لديهم وعى بيطرى بدرجة كافية، بضرورة تحصين الماشية ضد الأمراض، خصوصا أن الحيوانات لم تعد لديها مناعة كافية تؤهلها للمقاومة كما كان فى الماضى.
وأكد نشار، ضرورة وجود توعية بيطرية أكبر خلال الفترة القادمة من خلال وسائل الإعلام المختلفة المرئية أو المسموعة أو المقروءة، بالإضافة إلى حملات الإرشاد البيطرى بصفة مستمرة للفلاحين، لأنه لو كان هناك تحصين بشكل مستمر، فالأمراض المعروف أنها موجودة على توقيتات متتابعة على مدار السنة، فمن المؤكد لن تكون هناك مشكلة، إلا أن عدم الاهتمام؛ نتج عنه نفوق آلاف الأبقار والجاموس فى بعض القرى خلال الفترة القليلة الماضية بسبب الحمى القلاعية أو الجلد العقدى.
تخصيص الأمصال بسعر رمزي
وأشار إلى أن الدولة كانت توفر الأمصال ضد هذه الأمراض للفلاحين بالمجان، وفى الفترة الأخيرة أصبحت متوفرة بسعر رمزى، وهذا ما جعل بعضهم يعزفون عن التحصين، لفكر خاطئ بأنهم سيوفرون ثمنه، فكانوا يكتفون بـ"عزل الحيوان المريض" عن القطيع، أو عدم إخراجه إلى الأسواق، لكن المرض ينتشر عن طريق اللعاب أو الغبار.
لن يؤثر على اللحوم
وأضاف عضو هيئة الرقابة أنه لن يحدث عزوف من قبل المواطنين عن شراء اللحوم، لأن معظم الناس أصبحت لديهم ثقافة شراء اللحوم المختومة والمذبوحة فى المجازر، وأن اللحوم تم الكشف عليها من قبل أطباء متخصصين ويعلمون الصواب من الخطأ، وأنها لن تخرج من المجزر إلا بعد التأكد من صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.
وتابع: «لكن لا بد من توعية المواطنين بعدم شراء لحوم مجهولة المصدر أو ليست مختومة من المجزر، لأنه بالطبع ستكون هناك شكوك حول أنها لحيوانات مريضة، أو حتى تجرعها لبعض الأدوية فى وقت متأخر من المرض، والتى من الممكن أن تؤثر على صحة الإنسان فى وقت لاحق، بأن تعطيه مناعة ضد بعض المضادات الحيوية، فلو أصيب ببعض الأمراض وتعاطى مضادا حيويا، فلن تكون له نتيجة، نظرا لأن جسده أصبح معتادا؛ نتيجة للحوم المصابة التي تناولها».
غير صالحة
ولفت إلى أن هناك ثلاثة احتمالات فى حالة ذبح الحيوان أثناء فترة المرض، الأول هو أنه إذا أخذ الدواء أم لا، والثانى إذا ذٌبح الحيوان ولديه الأعراض الخارجية لمرضى الحمى القلاعية أو الجلد العقدى على سبيل المثال، والأمر الأخير إذا ذُبحت وكانت مصابة بالحمى أم لا.
ففي الحالة الأولى هناك ما يسمى بمدة سحب الأدوية من جسم الحيوان، فإذا لم تمر هذه المدة بشكل سليم، فستظل بقاياها فى اللحوم، وتؤثر على الإنسان بداية من مرحلة التسمم، انتهاءً بأن يعتاد الجسم على أخذ مناعة ضد هذه الأدوية، وبالتالى فإن إصابة الإنسان بأى مرض وعند حصوله على المضاد الحيوى، فستكون لدى الإنسان ضد المضاد الحيوي.
أما فى الحالة الثانية، فهذا ينتج عنه إدماء قليل داخل اللحوم، وحيث سيصبح اللحم غير صالح للاستهلاك الآدمى، وإذا تم ذبحها داخل المجزر، فسيحدث لها إعدام كلى، وهذا سيجرى داخل المجزر لأن هناك سلطة من الأطباء البيطريين على الجزارين أو أصحاب الحيوانات، ولكن إذا حدث الأمر خارجه، فاللحوم فى هذه الحالة ستصبح غير صالحة للاستخدام الآدمى، وهناك قرار من الدولة بعمل لجان تفتيش على من يذبحون خارج المجزر ومقاضاتهم في الحال.
وبالنسبة للحالة الثالثة، فسنجد أعراض هذا المرض فى اللحوم، إلا أنه فى حالة "فرمها" فلن تظهر عليها تلك الأعراض، ولكن الأعراض تظهر فى شكل "خراريج" داخل اللحوم، وهذا إذا لم يتم فرمها.
وعن تأثير تلك الظاهرة على أسعار اللحوم، أشار إلى أن نسبة الحيوانات النافقة ليست مؤثرة أو كبيرة فى الأسعار، ولا يجب ترويج ذلك، حتى لا نوضع تحت رحمة جشع التجار، الذين سيجدون ذلك سبيلًا لهم، من أجل زيادتها، فمعظم المربين ليسوا من الجزارين، ولكن الجزار لديه العديد من المربين الذين يتعامل معهم، فمن توجد لديه مشكلة من المربين، فبالتأكيد الآخرون ليست لديهم نفس المشكلة، إلا أنه عموما لا يمكن أن نعتبر المرض ذو تأثير كبير، ما يُحدث ضجة فى أسعار اللحوم.
جودة الجلد
وقالت الدكتورة شيرين زكى، طبيبة بمديرية الطب البيطرى، إن الأمر خاص بمرض الجلد العقدى، وهو منتشر بصورة كبيرة فى محافظتى الفيوم وبنى سويف، وببعض محافظات الصعيد، ومن المفترض أن طبيعة هذا المرض أنه ليس قاتلا، وهو فقط يؤثر على جودة جلود الحيوان، وتأثيره ينتج عن إصابة الحيوان بالحمى، فينقطع عن الطعام والشراب، وإذا كان الحيوان حلابًا، فإنه ينقطع عن إنتاج الألبان، فبالتالى المربى يعانى من خسارة اقتصادية ناتجة عن قلة وزن الحيوان المترتبة عن المناعات السابقة؛ ما يؤدى لعدم قدرته على إنتاج الألبان.
غير قاتل
وأكدت الطبيبة البيطرية أنه من المفترض أن طبيعة المرض تجعله غير قاتل، إلا فى حالة حدوث مضاعفات، فالإصابة بالبكتيريا تُعقِّد الحالة لتصل إلى مرحلة النفوق، لافتة إلى أن الصور المتداولة والفيديوهات التى أرسلت لها شخصيا من قبل بعض المربين أكدوا أن نسبة الإصابة العالية بالمرض فى الحيوانات، تأتى فى مواجهة المسؤولين الذين ينفون ذلك، ويشيرون إلى أن الأمر تحت السيطرة، ويشددون على أن الحملة القومية للتحصينات تقوم بدورها على أكمل وجه.
وتابعت أن هناك اتهامات متبادلة كانت وما زالت دائرة بين الأطباء البيطريين الذين يشيرون إلى أن فترة الصلاحية الخاصة بالتحصين قد انتهت، وبين شركات التحصين التى تؤكد أن التحصين صحيح، متهمة الأطباء بالتداول الخاطئ له، وعقب ذلك خرج علينا مسؤولون ليؤكدوا أن طريقة التحصين خاطئة، فهناك تضارب رهيب جدًا، ولا بد من تدخل القيادات العليا، وأن يتم فتح تحقيق لمعرفة الأسباب التى أدت إلى ذلك.
التستر
وأشارت إلى أنه إذا كانت الحملات القومية للتحصين تعمل بصورة جيدة وفى مواعيدها السليمة، فلا بد أن يتم بجانبها، معرفة هل اللقاح الذى يتم استخدامه هو المستهدف؟ أم من المفترض أن يتم التحصين بلقاح جدرى الضأن؟ فيما هناك آخرون يرون ضرورة استخدام لقاح جدرى المواشى الكبيرة (الأبقار والجاموس)، ومعرفة أيضا مدى صلاحية اللقاح وتركيزه.
ولفتت إلى أن معهد المصل واللقاح بالعباسية أكد أنه أجرى اختبارا للقاح، وتبين أنه آمن وفعال وتاريخ الصلاحية الخاص به سليم، لذلك لا بد من أن تكون هناك مراقبة من الجهات العليا، خصوصا أن هناك إنكارًا بعدم وجود حالات، لكن فى الحقيقة أن هناك حالات كثيرة جدًا.
وتابعت: «المرض ليس قاتلا بطبيعته ويمكن الشفاء منه، لكن لا بد من أخذ عدد من الاحتياطات، فهو لا يُنقل إلا عن طريق الحشرات اللادغة كالبعوض"، فمن الممكن أن يتم التلقيح بسهولة، إلا أن الحيوانات قد تكون بجانب مستنقعات وترع وبرك، فتكون مصدرا لتكاثر الناموس ولا يتم مكافحته، فبالتالى سينتقل المرض عن طريقه».
وقالت إنه لا بد من إدراك أن اللقاح لا يُعطى مناعة بنسبة 100%، فما يحدث هو رفع لمناعة الحيوان، ولكن قد تحدث الإصابة، فإذا كانت البيئة المحيطة بالحيوانات نظيفة، فلا يمكن أن ينتقل المرض من حيوان مريض إلى حيوان سليم.
وأوضحت أن الأعراض التى تظهر على الحيوان إذا تم ذبحه وهو محموم؛ هى أن يكون لون اللحم داكنا، وهناك احتقان فى الدماء، ولا تكون الأنسجة متماسكة، ولديها ملمس لزج وصابونى، نتيجة الحمى العالية فى الحيوان، مشددة على أنه لا بد من شراء اللحوم مختومة من مجازر حكومية.
التأثير على المواطن
أما عن انتقال المرض للإنسان عن طريق تناول الحيوان، فطمأنت الطبيبة البيطرية المواطنين، بأن هذا الفيروس لن ينتقل عن طريق التناول، لافتة إلى أنه على الرغم من عدم حدوث أضرار على الإنسان من تناول هذه اللحوم، فإن وظيفتها كطبيبة بيطرية تمنعها من أن تقر بأن هذه اللحوم صالحة للاستهلاك الآدمى من عدمه، إلا أنه وفى نفس الوقت، يسهل التخلص من أغلب البكتيريا عن طريق الطهى جيدا، فهى تموت عند درجة حرارة الطهو، ما عدا مرض السل؛ فهو مقاوم جدا لدرجات الطهو المنزلية.
تكاسل المسؤولين
وشددت على أنه فى حالة وفاة الحيوان بأى مرض سواء إن كان خطيرا أم لا، فلا بد من التخلص منه بالطرق الصحية الآمنة، المتمثلة فى ضرورة توافر مدافن فى كل محافظة، ويجرى الاتصال بمسؤولى البيئة والطب البيطرى؛ لدفن الحيوان ووضع جير حى معه، وذلك للحفاظ على البيئة آمنة، نتيجة لأن التحلل قد يُنتج بكتيريا تُلوثها.
وتابعت أن هذه الأمراض التى تصيب الثروة الحيوانية مثل الجلد العقدى والحمى القلاعية هى خطيرة ويجب أن يكون هناك دور للوحدات البيطرية خوفا من انتقاله إلى المحافظات الأخرى فى حالة تكاسل المسؤولين، مؤكدة أن هذا المرض وغيره من التى تصيب الحيوانات قد تؤدى إلى تناقص الثروة الحيوانية فى مصر.
خسائر فادحة
قال حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، إن مرض الجلد العقدى المنتشر فى محافظتى بنى سويف والفيوم الذى أدى إلى نفوق مئات الأبقار خلال ساعات، هو مرض خطير.
وأكد «أبو صدام» أن الجلد العقدى الذى يصيب الحيوانات وتظهر بقع على جلدها بها "دمامل" كالعُقَد تؤدى لنفوقها، مما يزيد من الخسائر الفادحة بالنسبة للفلاحين والمربين، خاصة بعد ارتفاع أسعار الأبقار، الأمر الذى يؤدى لعزوف الفلاحين عن تربية المواشى، مما قد يؤدى لانقراض الثروة الحيوانية، خاصة أن المصل الذى يتم به حقن الأبقار المصابة، لا يؤثر عليها؛ بسبب ضعفه، فضلا عن أن تلك الحيوانات قد أخذت مناعة منها، مما يضطر الفلاحين إلى معالجة حيواناتهم على نفقتهم الخاصة بسبب قلة الإمكانيات داخل الوحدات الطبية، وتأخر وزارة الزراعة فى توفير المصل الذى يعالج هذه الأمراض.
وفى ذات السياق، قال النائب سيد عيسى، عضو لجنة الزراعة بمجلس النواب، إن مرض الجلد العقدى الذى يصيب الحيوانات هو من أخطر الأمراض، وينتشر فى هذه الفترة؛ بسبب ارتفاع درجة الحرارة الشديدة، ويترك آثار بقع تحت الجلد ويقتلع الشعر من الحيوانات حتى ولو تم الشفاء من المرض، تبقى هذه البقع موجودة.
وأوضح أن سبب عدم مثول الحيوانات للشفاء بعد أخذ المصل المتوفر من قبل الهيئة البيطرية؛ هو قيام الوحدات البيطرية بحقن الحيوانات المريضة بالمصل، وهو لا يكون به فائدة بسبب أن المتوفر منه يكون خاصا بالسنة الماضية، والأمراض تتطور، ويجب على وزارة الزراعة أن تجرى أبحاثا كل شهر حتى تستطيع أن تصل للمصل الذى يقضى على الأمراض، تكون لجميع الأمراض من الحمى القلاعية والإنفلونزا والجلد العقدى، لافتا إلى أن جميع هذه الأمصال تستورد من الخارج، فلا يتم اكتشاف نوع المرض إلا بعد استيراد الأمصال.
استعدادات الوزارة
وأكد عضو لجنة الزراعة أن الحيوانات التى تأخذ هذه الأمصال فى أثناء المرض تموت فى الحال، وإذا أخذه قبل المرض، فلا يأتى بأى نتائج، ويجب على الوزارة أن تكون على أهبة الاستعدادات قبل تفشى الأمراض، لأنها تكون فى الدول العربية وتأتى إلى مصر مع الهواء.
إهدار الثروة الحيوانية
وأضاف عيسى أن هذا المرض يهدر الثروة الحيوانية ويعمل على عزوف الفلاحين عن تربية الحيوانات لأنهم عندما تموت منهم الحيوانات لا يأخذون تعويضا من الدولة، ولا يقومون بالتأمين عليها؛ بسبب أن قيمة التأمين أصبحت مرتفعة، ولا يستفيدون منها عند نفوق الحيوانات، واللجنة التى تأتى من شركات التأمين أو من الهيئة البيطرية أو الوزارة دائما تُرجع السبب إلى الفلاح، حتى لا يستفيد من التأمين.
وتساءل: «هل الفلاح هو من أتى بالمرض؟» مؤكدًا أن الوحدات البيطرية فى القرى والمراكز لا تؤدى دورها على أرض الواقع، كما لا توجد عليها رقابة من قبل وزارة الزراعة، مشيرًا إلى أن الفلاحين يعانون أشد المعاناة بسبب عدم وجود أي اهتمام.
الوزارة تعمل في جزر منعزلة
وتابع أن الدكتورة منى محرز مساعد الوزير للثروة الحيوانية، لم تحقق أى نتائج ملموسة في هذا الملف، وليس لها وجود، ولا حتى فى إنتاج الدواجن، فالوزارة تعمل فى جزر منعزلة كما أن الوزير السابق عبد المنعم البنا لم يفعل شيئا تجاه هذا الملف، وأن 3 مساعدين للوزير ليس لهم أى وجود على الواقع، مضيفًا: «نتمنى من الدكتور عز الدين أبو ستيت وزير الزراعة الجديد، أن تكون لديه خطة واضحة للنهوض بالوزارة وفكرًا، لا أن يكون مثل غيره من الوزراء».