التطرف .. مظاهر وأسباب

الاثنين 02 مارس 2015 | 03:53 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

بقلم : العميد أح عادل العمدةتمر المنطقة العربية بمرحلة فارقة تشهد فيها تحديات عظيمة ، أبرزها حالة السيولة وإعاد ة تشكيل النظم السياسية على أثر ما يسمى بـ"ثورات الربيع العربي" ، وظهور تنظيم داعش الذي يرتكب أبشع الممارسات في حق الإنسانية تحت شعار الإسلام ، مع تصاعد خطاب التطرف والكراهية دينيًا ومذهبيًا ، بل وسياسيًا ، وما يقترن بذلك من ممارسة العنف بكل أشكاله وانجراف شعوب بعض الدول إلى حروب أهلية أو نزاعات قبلية وعرقية قديمة يجري إحياؤها مرة أخرى ، واستشراء مظاهر الاستقطاب في عدد من المجتمعات العربية على أسس مذهبية ودينية وعرقية ، بما يحمل في ذاته نذر التقسيم الجغرافي وتهديد الهوية الوطنية الجامعة لكل المواطنين على اختلافهم وتنوعهم .لا شك أن التطرف ظاهرة سلبية تجثم على صدر المجتمعات الإنسانية قديمًا وحديثًا ، ويبرز من بين مظاهرها المختلفة "التطرف الديني" الذي يقترن بالغلو والتشدد في الخطاب وما يرتبط بذلك من لجوء إلى العنف ورفض المختلف إلى حد قد يصل إلى تكفيره ، بل ومحاولة إقصائه بشكل كلي ، بيد أن التطرف لا يقتصر على النطاق الديني ، بل يمتد أيضًا إلى المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي يسودها الاستقطاب والأحادية والانزلاق إلى الثنائيات وحرب الأضداد التي تقلص من المساحات المشتركة بين المواطنين والقوى السياسية والتيارات الفكرية .ومن أهم أسباب التطرف :*التعليم والتنشئة الاجتماعية على ثقافة الاستعلاء ورفض الآخر والتسفيه وتراجع التفكير النقدي وانتقاء المشاركة .*الخطابات الدينية المتعصبة التي تستند إلى تأويلات وتفسيرات خطأ ، مخالفة لصحيح الإسلام ومجافية لروح الديانات كلها والنابعة من الحفاظ على القيم الروحية النبيلة التي تعتمد على المحبة والرحمة والتسامح وتنبذ التعصب والكراهية .*الفقر والأمية والجهل ، تلك الثلاثية التي تدفع الشخص إلى الانسياق وراء خطاب ديني مشوه وفتاوى وتأويلات مغلوطة وآراء ضيقة الأفق ومناخ معادٍ لثقافة الاختلاف وفي أحيان كثيرة تكون "المرأة" في مقدمة ضحايا التطرف نتيجة لتعثر مسيرة التنمية الثقافية والاجتماعية العربية .*الشعور بالقهر نتيجة المعايير المزدوجة في العلاقات الدولية تجاه قضايا العرب والمسلمين التي يأتي في مقدمتها استمرارا القضية الفلسطينية واحتلال الأراضي العربية في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن اتخاذ موقف حاسم وحازم إزاءها .*تنامي دور قوى فاعلة سواء كانت دولًا وجماعات في إزكاء التطرف ، ورصد الموارد المادية والبشرية لتأجيج العنف في المجتمعات العربية بهدف خدمة مصالحها من ناحية وإضعاف الأوطان العربية وتمزيق أواصرها وعرقلة انطلاق مسيرة التقدم من ناحية أخرى .*غياب قادة ورموز الفكر القادرين على مواصلة مسيرة سابقيهم من رواد النهضة والتنوير في العالم العربي والذين قدموا اجتهادات ملهمة نجحت في المزج بين الأصالة والمعاصرة وتحديث بنية المجتمعات العربية دون انقطاع عن جذورها الحضارية وأصولها الثقافية .*انتشار العديد من المنابر الإعلامية المحلية والإقليمية التي تبث رسائل تحض على التطرف والكراهية وتسيئ إلى وسطية الفكر الديني المعتدل .*الآثار السلبية للموروثات والعادات الاجتماعية والقيم الثقافية التي أنتجت تشوهات ثقافية واجتماعية تزكي نعرات الاستعلاء ضد المختلف وتشعل نيران الطائفية العرقية والمذهبية .مقترحات لمواجهة التطرف :أتفق مع توصيات مؤتمر "نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف" والذي عقد بمكتبة الإسكندرية في الفترة من 3 – 5 يناير 2015 بحضور أئمة الفكر السياسي العربي والتي أوصت بالتالي :أولًا الخطاب الديني ، ويقوم على :*تصدي المؤسسات الدينية للمفاهيم التي تروج في المجتمع خاصة بين الشباب وفي مقدمتها التفسيرات المشوهة لمفهوم الجهاد والردة ووضع المرأة .*فتح أبواب الاجتهاد والمعرفة الأصيلة بمقاصد الشريعة والاعتراف بالمنظور التاريخي للتشريع وتطويره للتلاؤم مع مقتضيات العصر وإحياء جهود المجددين من أعلام الإسلام والتوافق مع مواثيق حقوق الإنسان .ثانيًا الثقافة ، وتبنى على : *مراجعة القوانين واللوائح والممارسات الإدارية على النحو الذي يعزز الانطلاق الحر للفكر والإبداع في المجتمع ويزيل العقبات التي تحول دون حرية الرأي .*التوسع في إصدار الكتب والمؤلفات التي تدعم العقلانية والاستنارة وتنشر الفكر النهضوي وتحارب الخرافة والتطرف وتفتح الأبواب للتفاعل الخلاق مع منجزات الثقافة الإنسانية في العلوم الطبيعية والإنسانية .*تشجيع الأعمال الفنية الراقية التي تهدف إلى النهوض بثقافة النشء وتنمية المواهب وصقلها في المؤسسات التعليمية والثقافة بشكل منهجي منظم .*تيسير الوصول إلى المنتج الثقافي من خلال التوسع في إنشاء المكتبات والمراكز الثقافية والأندية الأدبية .*الإفادة من النشر الألكتروني وتدشين مواقع التواصل الاجتماعي بين الشباب تهدف إلى محاربة التطرف وثقافة العنف ودعم حرية الفكر ونشر الفنون الجميلة بكل الوسائل . *تدشين "مرصد لمجابهة التطرف" على غرار مرصد الإصلاح العربي لمواجهة فكر التطرف وتجميع المبادرات الثقافية الرامية لمواجهته .ثالثًا التعليم ، ويأتي على النحو التالي :*الدعوة إلى توحيد نظم التعليم ومنع الازداوجية بين تعليم مدني وآخر ديني أو أجنبي لضمان تشكيل العقل العربي دون تشرذم أو اضطراب والاعتماد على التوازن المعرفي بين العلوم الطبيعية والإنسانية وتربية وجدان النشء على تكوين المهارات الإبداعية والفنية .*تحديث النظم التعليمية بغية تعزيز قيم التعددية والتعايش الإنساني وتوفير المعارف الأساسية الخاصة بتاريخ الحضارات والديانات والارتقاء بمستوى الوعي بمخاطر التطرف والانغلاق الفكري .*التأكيد على أهمية "التربية المدنية" في برامج التعليم خاصة قبل الجامعي لما لها من تأثير على تشجيع قيم المشاركة والتطوع والعمل المشترك وحقوق الإنسان والإيمان بأهمية التنوع في إدارة العمل ، مما يعزز التنوع والتعددية بدلًا من الأحادية والانغلاق .*وضع برامج لتطوير القدرات الإبداعية في التعليم لبناء جيل مبدع يسهم في تعزيز البناء الثقافي للمجتمع .*وضع برامج لتطوير المكتبات المدرسية وتجهيزها بأحدث المتطلبات للارتقاء بدورها في تشجيع القراءة والاطلاع الرامي إلى تنمية التفكير الحر الناقد والمبتكر .*وضع برامج بحثية بالشراكة بين المؤسسات العربية تنصب على ظاهرة التطرف بمشتملاتها المتعددة والعمل على إصدار وثائق مرجعية على الصعيد العربي .*تنقية برامج التعليم الديني من الأفكار التي تشجع على التطرف والعنف أو تستند إلى فهم خطأ للنصوص الدينية .رابعًا الإعلام ، وتتم مواجهة التطرف من خلاله على النحو التالي :*حث المؤسسات الإعلامية على الالتزام بالمواثيق المهنية والأخلاقية التي تتضمن الابتعاد عن الخطابات المتعصبة أو ترويج آراء من شأنها بث روح الفرقة والانقسام بين المواطنين .*إطلاق مبادرة عربية لمراجعة المعايير المهنية والأخلاقية وسن التشريعات التي تجرم نشر المواد الإعلامية التي تبث الكراهية وتحرض على العنف .*تدشين برامج إعلامية مشتركة بين وسائل الإعلام العربي تفند فكر التطرف وتهتم بقضايا العلم والتنوير وتكشف الممارسات اللاإنسانية المنافية للدين والأخلاق والقيم التي تمارسها التنظيمات المتطرفة ضد المواطن العربي .*الالتزام بالبث في ساعات الذروة للمواد الإعلامية ذات المستوى الثقافي الرفيع من "مسرح عربي وموسيقى وسينما وفنون تشكيلية وعروض للكتب الفكرية وسير وتراجم لكبار العلماء واكتشافات علمية وتكنولوجية" .أضف إلى ذلك دعم التعددية الدينية ونشر مساهمة المسيحيين العرب في بناء أوطانهم وتعزيز المواطنة والحفاظ على كيان الدولة الوطنية القانونية الدستورية الحديثة ، ومواجهة كافة مظاهر العنف والتمييز التي تتعرض لها المرأة على الصعيدين القانوني والعملي ، آخذين في الاعتبار أن المرأة والأطفال والأقليات العرقية وغير المسلمين في مقدمة الفئات التي تعاني من التطرف والإرهاب في المنطقة العربية ، والتصديق للتطرف رغم أنه يتطلب مواجهة أمنية إلا أنها تظل غير كافية ، وهو ما يستدعي ربط الأمن بالتنمية ومواجهة الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي الذي يتفشى في العديد من دول المنطقة ، والحرص على تنمية التجارب الديمقراطية السليمة

اقرأ أيضا