من المألوف أنه عندما يكون الابن عاقًا لأهله حتمًا تكون حياته مليئة بالعثرات والصعوبات، بل وتطارد نومه وأحلامه كوابيس الشقاء والعناء ومذلات تأنيب الضمير، حتى ذريته في المستقبل فمن المستحيل أن يجنى منها سوى الذل والعصيان مهما قدم لها من خير، ومهما أقدم معها على محاولات الولاء والطاعة لتكفير خطاياه التي ارتكبها في حق أهله.. لكن عندما يصل الشقاء بهذا الإنسان العاق إلى ارتكابه لجريمة قتل بشعة، فهنا يعجر اللسان عن وصف هذا العقاب الإلهي سوى انه انتقام رباني عظيم، قاد هذا الشخص لارتكاب هذه الفاجعة التي ربما تكون طريقا قصيرا إلى حبل المشنقة.
فمنذ أن قررت "نجلاء" ابنة محافظة أسيوط أن تضع رأس عائلتها ذات العادات الصعيدية في الوحل، وأن تهرب مع فتى أحلامها "عاطف" إلى مسقط رأسه بمنطقة أبو النمرس جنوب محافظة الجيزة، وحياتها أصبحت في جحيم وكأن القدر أراد أن يقتص منها ما فعلته بحق عائلتها البسيطة التي اكتوت منذ هروبها بنيران المعايرة بالشرف التي كانت تبدو على وجوه جميع أهل القرية، خاصة بعدما أشيع خبر ارتباط الفتاة بعقد زواج "عرفي" من الشاب.
اثنتى عشرة عاما عاشتهم الفتاة العاقة تحت سقف عش الزوجية وحيدة، لا أهل يزورونها ولا أحباب يتقربون منها، حتى الزوج الذي قررت أن تضحى بأهلها من أجله بدأ هو أيضا يمارس مضايقاته عليها، تارة بسبب إزعاج أطفاله الثلاثة الذي أنجبهم منها طوال هذه المدة، وتارة أخرى بسبب كثرة طلباتها لمستلزمات الحياة، حتى بدأ يعاقبها بالضرب كلما حاولت تعكير صفو مزاجه بطلبات المنزل أو إلحاحها في طلب المال منه لشراء هذه المستلزمات.. وهنا بدأت "نجلاء" تفكر في الانتقام.
"كنت أشعر بأنني أعمل خادمة في بيته.. كان دائما يهينني أمام أطفالي الثلاثة.. لم يقدر ما فعلته من أجله من تضحيتي بأهلى وسمعتي.. لم تحرك صرخات أبنائي لديه ساكنا عندما كان يضربني أمامهم بل كان يتلذذ عندما كان يشتمني بأبشع الألفاظ.. خسرته وخسرت أهلى وخسرت أبنائي وخسرت كل شئ في حياتي".. بهذه الكلمات بدأت "نجلاء" الإدلاء باعترافاتها أمام النيابة حول واقعة الخلاص من زوجها "عاطف"، والتي قررت أن تتخلص منه بعد ما اكتشفت استيلائه على 800 جنيه تحويشة عمرها.
يوم الواقعة لم يعلم الزوج عاطف أن "سم الفئران" الذي اشتراه بيده وبأمواله من إحدى الصيدليات سيكون إحدى مكونات "التحويجة القاتلة" التي ستضعها له الزوجة "نجلاء" في كوب الشاي لتتخلص منه، لكن في هذا اليوم بالتحديد تأخر الزوج عن العودة إلى المنزل بعد أن جمعه لقاء الوداع بصديق عمره "إبراهيم" في سهرة جميلة في إحدى مقاهي مركز أبو النمرس، هذا الصديق الذي نجى من اتهام قتله بعد أن ادعت الزوجة ذلك أمام جهات التحقيق.
الزوجة قالت أيضا في اعترافاتها: "سبق وأن طردني من المنزل في ساعات متأخرة من الليل.. ولولا تدخل الجيران ما كنت أعرف طريقا لمكان يأويني ولا صحبة تجالسنى سوى كلاب الشوارع، لذا قررت أن أضع له "سم فئران" في كوب الشاي الذي كان يحب أن يحتسيه عقب تناوله وجبة العشاء، وبالفعل شرب الزوج التحويجة القاتلة ونام قبل أن يتأثر بمفعولها.. لكن في هذا التوقيت كان السؤال الذي يدور في ذهني هو كيف يمكن أن يفارق المجني عليه الحياة بهدوء دون أن يكشف أحد مخطط قتله؟".
لكن دائما طريق الشيطان مأجج بالأشواك، ولا يمكن أن يحقق مراد الأشرار مهما حدث، فقد كشفت التحقيقات التي أجرتها نيابة مركز الجيزة عن أن المتهمة تركت الزوج عقب تناوله السم يصارع الألم دون أن تحاول إنقاذه، وادعت أمام أطفالها الثلاثة بأن والدهم أصيب بنزلة معوية ولا يحتاج سوى إلى الراحة والهدوء، وعندما اشتد به الألم وبدأت ملامح الإعياء تظهر على وجهه قررت أن تصطحبه إلى المستشفى خشية من أن تدركه المنية في المنزل فيفتضح أمرها، إلا أن أطباء المستشفى كشفوا مخططتها فور توقيع الكشف على المجنى عليه الذي فارق الحياة قبل وصوله قسم الاستقبال، وأكدوا أنه توفي إثر تناوله لمواد سامه.
لم تيأس الزوجة القاتلة من مغريات شيطانها وراحت تتهم أمام رجال مباحث مركز شرطة أبو النمرس صديق زوجها بالتسبب في قتله وقيامه بوضع السم له في كوب الشاي أثناء جلوسهما على المقهي، مستغله في ذلك الخلافات القديمة التي كانت بينهما، لكن تحريات المباحث كشفت عن قيام المتهمة "نجلاء" 27 سنة بعزم النية على الخلاص من زوجها "عاطف" 47 سنة عقب استيلائه منها على مبلغ مالي 800 جنيها كانوا بحوزتها، فانتظرت عودته من عمله، ووضعت له "سم الفئران" في الشاي عقب تناوله وجبة العشاء، وقد أصرت على أن يتمكن مفعول السم في جسدة حتى فارق الحياة قبل وصوله المستشفى، وقد أخطرت النيابة التي أمرت بحبس المتهمة على ذمة التحقيقات.