يعتبر مرض البهاق من أكثر الأمراض الجلدية انتشارًا حول العالم، حيث يسبب بقع بالجلد، نتيجة لاختفاء مادة "الميلانين" المسئولة عن تكوين صبغة الجلد، فعلى مر الزمن كان دومًا مريض البهاق مُطارد من قبل مجتمعه، وفي العصور السابقة كان يعتبر مشعوذًا يجب قتله على الفور، وبالرغم من التطور الذي امتد للجتمعات العمرانية في يومنا هذا، إلا أن النظرة العامة نحو مريض البهاق، لا تزال على حالها باقيةً لم تتغير.
وتزامنًا مع حلول اليوم العالمي للتوعية بمرض البهاق، نستعرض إليكم أبرز الحكايات عن ذلك المرض..
"جربت كل حاجه ومافيش نتيجة" كلمات بدأت بها "هبة، 21 عامًا" حديثها عن تجربتها مع البهاق، وتابعت أنها أصيبت به في سن الرابعة، فمرت برحلة من المعاناة وسط التنقل من طبيب لآخر والانصياع وراء العديد من الآراء م، ثل تعرضها للأشعة فوق البنفسجية والتعرض للشمس لفترات طويلة، إلى جانب العديد من الأدوية ولكن لم يحدث اختلاف، فانتشر المرض إلى أن احتل كامل جسدها.
فلم تسلم "هبة" من نظرات التعجب والشفقة والسخرية منها، خاصةً أن الأمر بدأ منذ طفولتها، فلم يستوعب الأطفال من حولها طبيعة اصابتها بالبهاق، فكانت دائمًا ما تتعرض إلى السخرية من قبلهم، بعدها تحولت السخرية إلى نظرات تطاردها في كل مكان ما بين التعجب والشفقة والاشمئزاز.
وتابعت حديثها، قائلةً إن من أكثر المواقف التي مرت بها، حينما تم نعتها بـ"الحمار المخطط" ففضلت الصمت وتظاهرت كأن شيئًا لم يحدث، ولكنه ترك ندبة أخرى بداخلها لم تستطع نسيانها حتى الآن، مشيرة إلى أنه لم يعد هناك من يراعي مشاعر غيره، فدومًا لا تنتهي الأسئلة التي تتوجه لها عن طبيعة مرضها الامر الذي يأثر على نفسيتها وبالتالي يساعد على انتشار المرض أكثر.
بدوره، قال هاني الناظر، استشاري الأمراض الجلدية ورئيس المركز القومى للبحوث سابقًا، إن أكثر من نظرية كانت تفسر مرض البهاق، إلى أن تم التأكد أخيرًا أنه مرض مناعي ناتج عن نشاط في جهاز المناعة، حيث أن الجسم بفرز أجسام تحارب الصبغات الجلدية التي تسمي بالملانين ما ينتج عنها اختفاء لون الجلد، موضحًا أنه يوجد أنواع للبهاق قد يكون موضعي واحيانًا يكون منتشر في الجسم، وآخر يأخذ شكل التماثل أي تظهر بقع في الجانب الأيمن من الجسم ومثلها في الجانب الآخر والعكس.
وأشار استشاري الأمراض الجلدية، إلى وجود العديد من الطرق لعلاج ذلك المرض، فدائمًا ما كان يتم تطويره، إلى أن تم التوصل في أواخر التسعينات إلى علاج جديد للمرض، وذلك عن طريق الأدوية المناعية، دون الحاجة إلى إرهاق المريض بالجلسات فوق البنفسجية أو غيرها، بل أصبح يتم العلاج عن طريق الأدوية فقط.
ليردف قائلًا إن البهاق ليس مرضًا معدي، ولا ينتقل إلى انسان لآخر أو ينتقل في الجسم نتيجة العدوى، كما أنه ليس مرض وراثي ولكن أحيانًا يكون بالعائلة أكثر من مريض بالبهاق، ولكن لا يمكن تعميم تلك الحالات.
ولم يختلف الحال كثيرًا، فبين مطرقة الحزن الصامت وسندان العصبية، كان يتكبد "يوسف" معاناةً نفسية بالغة، إلا أنه استطاع أن يتخلص منها قبل أن ينتشر المرض بكامل جسده.
فيقول: "كنت أشعر أني منبوذ تمامًا من المجتمع" كما يعقب صاحب الـ 19عامًا ساردًا أوجه المعاناة التي مر بها بسبب البهاق، مُرجعًا ذلك بأن الكثيرين لا يعرفون ثقافة الاختلاف، فدومًا كانت تلاحقه نظرات الاشمئزاز والشفقة بل كان يتعدى الأمر مجرد نظرات وتصل إلى حد السخرية منه، الأمر الذي جعله يتجنب التواجد في وسط مجموعات كبيرة من العامة، فضلًا عن حرصه الدائم على تغطية ذراعه بالملابس.
ويضيق "يوسف" أن اصابته بالبهاق، كانت أثناء المرحلة الابتدائية ببداية ظهور المرض، فلم يكن ملحوظًا وقتها، حيث أنها اقتصرت على نقاط بيضاء بسيطة في منتصف ذراعه، إلا انها بدأت تتسع تدريجيًا إلى أن احتلت ذراعه بأكمله وبعض المناطق بوجهه، وازدادت في فصل الصيف بسبب تعرضه إلى للشمس كثيرًا، كما كانت تتناقص في الشتاء بسبب قلة تعرضه للشمس.
ولكن الأمر اختلف هنا، وهو ما تمثل في نجاح "يوسف" في التخلص من البهاق بعد رحلة طويلة مع الأطباء والعلاج ، فاكتشافه في مراحله المبكرة ساعده على الشفاء منه قبل أن ينتشر بباقي جسده، ولم يترك إلا حبوب قليلة على ذراعه.
وفي السياق ذاته يشير الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي بالأكاديمية الطبية، إلى أن مرض البهاق هو صورة عضوية لمرض نفسي، حيث أنه يوجد ما يسمى بالأعراض الجسدية الناتجة عن الضغط النفسي الشديد ويكون نتيجة لتعرض المريض لأزمة نفسية شديده متكررة، لذلك يجب أن يكون هناك علاج نفسي مع العلاج العضوي، فينقص ثلاث مواد من الجسم وهم "السروتنين" و "5 اتش تي" و "الدوبامين" وتزيد مادة "نور ادرنالين" فعندما تزيد يحدث انقباض للأوعية الدموية الطرفية، بالتالي يؤدي إلى عدم وصول الدم إلى منطقة تسمى بالميلاتونين في بعض الخلايا الطرفية، الأمر الذي يجعل لون الجلد يختفي ويظهر مرض البهاق.
واختتم "فرويز" حديثه في ذلك السياق، قائلًا إنه بجانب الأعراض التي تظهر على الجلد، هناك أعراض أخرى تصيب المريض، ومنها الصداع وألم بالمعدة والقولون العصبي المزمن وتنميل الأطفال وزيادة ضربات القلب، مشيرًا إلى أنه كلما انتبه المريض له في وقت مبكر، كلما ما كانت نتيجة العلاج إيجابية، ولكن أغلب من يصيبون بالبهاق ينتبه له متأخر وبالتالي يصعب تغيير أعراضه ومهاجمتها.