رباب كمال: أسعى لتحرير العقل العربى من صناعة التطرف (حوار)

الاربعاء 28 فبراير 2018 | 10:00 مساءً
كتب : حاورها: سليم صفي الدين- تصوير: عبد الرحمن مجدي

-حقوق الرجل لدينا مهدرة-العلمانية ليست كفر بل إيمان بالإنسان وحقه-الأحزاب الليبرالية أقصت الإسلاميين لتنفرد هي-هدفى تحرير العقل وليس المظهر-شيخ الأزهر يرى أن حقوق المرأة ليست من حقوق الإنسان-اليابان حتى سنة 47 لم يكن فيها حق طلاق للمرأة-التأويلات الفقهية ضد حقوق الإنسان-تاريخ الأزهر فى تجديد الخطاب سببه الضغط السلطوى -الكاتب الحقيقى من يصل للطبقة المهمشةتعالت الأصوات فى الآونة الآخيرة باسم «العلمانية»، وبين اتهامات بالكفر، وفكرة البعض عنها أنها تعنى انحلال المرأة، التقيت بالإذاعية والكاتبة «رباب كمال»، واحدة من اللاتى تنادين بحقوق الإنسان، والعلمانية، من أجل مناقشة العلمانية، وموقفها من الأزهر والدين، وحقوق الإنسان...صدر لها حتى الآن ثلاث كتب، من وحي العلمانية عام 2016، ودولة الإمام «متى تخلع مصر عمامة الفقية» عام 2017، ونساء في عرين الأصولية الإسلامية أول العام الحالى، وقريبا يصدر لها القوامة الدينية في خطاب الدعوة السلفية.. بدايةً.. لماذا يتم التروج للعلمانية من خلال خلع الحجاب؟العلمانية لا علاقة لها بالحجاب، ولا بالمظهر، ومن يتحدث عن أنّ كل محجبة رجعية ومتخلفة هو خاطئ، بالإضافة إلى أننى أناقش مفهوم الحجاب، واكتشفت أنّ هناك فتيات ترتديه لأسباب قبلية ومجتمعية، ومن الممكن أن يوجد من ترتديه عن رغبة واقتناع وتمتلك فكرا متحررا، وهذا ما أعمل عليه وأحاول اكتشافه «تحرير العقل العربى من صناعة التطرف»، فالقضية فى الأفكار وليست فى المظاهر.هل هنا يأتى دور تجديد الخطاب الدينى؟أنا ضد تلك الفكرة، فهناك فرق كبير بين الخطاب والفكر الدينى، لو تمكنّا من تطوير الخطاب، ولم نستطيع تغيير الفكر لدى العامة، فالبتالى لم نفعل شئ، وسيصبح الخطاب الديني حكر على مؤسسة واحدة، بالإضافة أيضا إلى أنّه سيصبح خطابا سلطويا.فلو عدنا للوراء قليلا لمراجعة تاريخ الأزهر فى تجديد الخطاب الدينى، سنجد أنّه كان بسبب ضغط السلطة، لذلك أنا أؤيد فكرة النقد والتعديل وليس الهجوم أو التجديد السلطوى، فهذا لن يحقق الأغراض المطلوبة فى ظل قانون مسنون على رقاب المفكرين، يُسمى «ازدراء الأديان»، فلم أفهم كيف يمكن لكل من يُفكر أن يُتهم بتلك الاتهامات.لماذا يستخدم العلمانيون كلمة مدنية بديل للعلمانية؟الغالبية من العلمانيين يشعرون بالخوف، بالأخص السياسيين منهم، لأنّ كلمة علمانية لدى الكثيرين ترتبط بالكفر، بالرغم من أنّ حقيقتها الإيمان بالإنسان وبحقه، بالإضافة إلى التوجهات المجتمعية أيضا، ففي عام 1914 كانت الديمقراطية تعني الكفر، ليس ذلك فقط، بل أن تجامع زوجتك أكثر من رجل غيرك! اليوم هى مطلب جماهيرى، فالأفكار المشوهة عن العلمانية ستنتهى ما دام نتحدث عنها بشكل دائم، محاولين تصحيح الفهم الخاطئ لهذا المصطلح، بالإضافة أيضا إلى تحدثنا مع العامة بشكل بسيط يصل إلى عقولهم، وبالتأكيد تبني قضايا الميدانية على الأرض ليس من الضرورى إدخال العلمانية بها.استخدام مصطلح حقوق المرأة كثير جدا لماذا لا يستخدم حقوق الإنسان؟هذا ما تحدثت عنه فى كتابى الذى صدر مؤخرا «نساء في عرين الأصولية الإسلامية»، بأنّ حقوق المرأة جزء من حقوق الإنسان، والمجتمع السوى هو الذى به حقوق للرجل وحقوق للمرأة، حتى حقوق الرجل لدينا مهدرة، وهذه النظرية تبناها قاسم أمين، ونقلها عن جون استورد ميل، فى كتابه استعباد النساء 1869، قد يكون للرجل حقوقا مهدرة سياسيا، فيعاقب المرأة ويسلب منها حقوقها الاجتماعية، فقانون الأحوال الشخصية إلى يومنا هذا ينص على أنّ "المرأة تحت ولاية الرجل"، فيجب الحديث عن حقوق المرأة من منطلق الإنسان وليست على أنها حقوق فئوية.ما رأيك فى قضية الطلاق الشفهى؟أنا ضده طبعا، لأنه تسبب فى العديد من المشاكل، ولكن الأغرب من كل هذا أنّه عندما سُئل شيخ الأزهر عن هذا الموضوع، أجاب: «ياريت تركزوا في حقوق الإنسان الأول»، وكأن حقوق المرأة ليست جزءا من حقوق الإنسان.ولكى نجد حلا لتلك المشكلة لابد من وجود قوانين مدنية.القوانين المدنية ستتعارض مع الشرائع ما يضع العلمانية فى مقابل الأديان؟بالطبع لا، فمطالبتنا بالحقوق تضع الأديان أمام فكر حق المواطن، وليس أمام العلمانية، لذلك نحن بحاجة ماسة للقانون المدنى للمسلمين قبل المسيحيين، لأن القانون يعطى الرجل حق طلاق المرأة فى أى وقت، والمرأة فى أفضل الظروف والأحوال تلجأ إلى الخلع، وناقشت هذا في كتابى أيَضا، كما قمت بعمل مقارنة مع الدستور اليابانى، خاصة وأنه حتى سنة 1947 لم يكن هناك حق طلاق للمرأة مساوى للرجل لديهم.أما مواجهة الدين هو أن تحرم الأشخاص من ممارسة شعائرهم، والحق الدينى ليس معناه أن تمارس عقيدتك وتفرضها على الغير، وهذا للأسف يحدث فى القانون والمجتمع، فالعلمانية لا تقف ضد الأديان، إنما التأويلات الفقهية والدينية هى التى تحول دون أن تتمع الناس بأبسط حقوقها الإنسانية، وهى أن تخرج المرأة من الزيجة إن أرادت.كل ما يحدث هو نقد فقط ما هو المنهج البديل؟النقد جزء من المنهج البديل، لكن لا يمكن اختزال المنهج البديل في النقد، فحتى سنة 2000 كانت المرأة لا تسافر إلا بإذن زوجها، أو أن تعطيها المحكمة الدستورية هذا الحق، وهذا يوضح لنا إصابتنا بشيزوفرينا الدولة الدينية، فنحن حينما انتقدنا تلك القضية، قدمنا البديل بأن من حق المرأة أن تسافر دون إذن.وأين الأحزاب السياسية من العلمانية؟لا يوجد حل أوحد لنشر فكرة العلمانية، فبزوغها من الأحزاب السياسية فقط فكرة خاطئة، وللأسف نحن غيرنا من أفكارنا ولم نغير من طريقة تفكيرنا، رغم أننا أصبحنا نتبنى أفكار حديثة وعظيمة مثل الليبرالية والعلمانية، إلا أن العقل الأحادى مرتكز فقط على الأحزاب، وهى شكل من أشكال العمل السياسى والمجتمعى، وليست جميعها.هل الأحزاب منوط بها التنوير؟الأحزاب بصورتها الحالية «بعافية»، ولن يتم نشر التنوير من خلالها، والدليل أنّ جماعة الإخوان المسلمين وتاريخها الحركى -لن استخدم كلمة الدعوى- وعدم احتياجهم لحزب من أجل أن يؤثروا فى الناس، رغم أنهم وقت نشأتهم كانو 80 ألف فرد فقط، استطاعوا عمل تأثير كبير فى المجتمع.إذا أين المشكلة؟المشكلة أنها تبنت سياسة اقتصادية لا تروق لكثير من الناس، فضلا عن الإقصاء للأفكار المختلفة، وكأنهم أقصو الإسلاميين من أجل أن ينفردوا بمفردهم، غير أن العمل الحزبى يعنى أن تصل للمجتمع، وما يحدث هو عمل من أبراج عاجية.كيف يستمر التيار العلمانى ؟أرفض كلمة تيار، لأن التجمعات لا تعنى "تيار"، عندما تكون فكرتك قادرة على التغيير والحشد دون احتكار للفكرة نفسها، وقتها نستطيع تسميته تيار.وما الذى يحول دون ذلك؟المشكلة في النظرة للعلمانية على أنها حركة تحتاج إلى مرشد، منذ وقت قريب استضافة إحدى القنوات الفضائية أحد الشباب، الذي قال في الحلقة كلاما لا يمت للعلمانية بصلة، البعض طالب بضرورة الرد عليه، وكأنّ ردنا سيكون عبارة عن «أنه لا يتبع العلمانية الصحيحة»، فقضية الرد ليست هى أساس الموضوع، إنما أن نتبنى قضايا يشعر بها الإنسان.كيف يمكن تبني القضايا دون عمل حزبى؟العمل المؤسسي لا يقتصر على الأحزاب فقط، إنما من خلال منظمات المجتمع المدني أيضا.لكن هناك مشكلة بعد تمرير القانون الآخير الخاص بالمنظمات؟هذا لا يمنع وجود المنظمات وقوة تأثيرها، وأيضا ضرورة التنوع فى العمل المؤسسى.هذا يستلزم سنوات طويلة؟بالتأكيد، نحن لسنا قاب قوسين أو أدنى، البعض ينظر لفكرة التغير أو التحول التاريخى أنه قد يحدث من خلال حوار تلفزيونى، والحقيقة أن هناك حراك حاصل الآن، وبدأ فى النزول من المجتمعات النخباوية إلى المتوسطة، والسبب فى ذلك ثورة المعلومات الضخمة، لأنها سمحت لشباب متوسط الإمكانات والدخل أن يقرؤوا ويواكبوا أحداث العالم.هل يحول دون ذلك الأزمات الاقتصادية؟بالتأكيد فالأولوية للقمة العيش، لكن لا يمكن إنكار ضخامة الثورة المعلوماتية وسيتم حصاد نتاج ذلك بعد سنين، لكن علينا أن ندرك أن الاختلاف يزيدنا قوة ولا يضعفنا، فأنا أعترض كثيرا على إسلام البحيرى، لأنه تمسك بجزئية واحدة ولا يتكلم على سواها، لكنه فى النهاية يخاطب مجموعة كبيرة من الناس، وقد يفكك مفاهيم كثيرة مغلوطة لديهم، ورغم أنى لست متفقة مع ما يفعل، ولكنه يسير فى خط موازى، لأننّا لن نستطيع عمل كل شئ بأنفسنا.هل حضر لرباب كمال حفل التوقيع شخصيات على قدرها؟اه طبعاهل الدعم كان على قدر كبير؟طبعا، جائتني الفتاة الأزهرية، وشباب من الأقاليم، هؤلاء هم من أفكر فيهم، أما لو حديثك عن الشخصيات المشهورة، فالدكتور خالد منتصر والدكتور ساهر رافع قد حضروا، لكن مع احترامى لجميع الأسماء الكبيرة التى لو قدمت لهم دعوة شخصية كانو سيحضرون، فقدر الكاتب الحقيقى ليس فيمن حضر، إنما فى الوصول للطبقة المهمشة، واحدة من اللواتى حضرن لى، قالت أنها كانت سلفية و«تشتمنى» دائما، اليوم تحضر لى وتتفاعل معى، هذا هو القدر الحقيقى الذى أبحث عنه واحتاجه.هناك كتاب جدد لا يملكون مادة وناقلون، حضر لهم شخصيات عظيمة.. الإعلام ينظر إلى هؤلاء؟أنا أدعم جميع الكتاب الجدد «على حد تعبيرك»، حتى لو اختلفت معهم فى التوجه، الحاجة الوحيدة التى لا أدعمها هى سطحية الفكرة.لكن هذا نوع من أنواع الشو؟ لا، أختلف معك فجزء من عرض المادة قدرتك على تمرير وتسويق الفكرة.أحمد سعد زايد، من سنين حضرت له إحدى ندواته وكان عدد الحضور لم يتجاوز الخمس أفراد، اليوم يحضر له عدد ليس قليلا، بجانب أن محاضراته على السوشيال ميديا بعد ساعات من عرضها تصل لآلاف المشاهدات، من جميع أنحاء العالم، ما يعنى أنه تخطى حاجز دولته، وهذا دليل على خروجه عن إطار الغرف المغلقة، زايد قارئ جيد عمل أبحاث كثيرة، لو تحدثنا عنه قبل عشر سنوات لم يكن أحد يعرفه. فبسبب السوشيال ميديا أصبح الاهتمام بالشكل والشو أكثر من المضمون، وأنا شخصيا أحاول الاعتدال بين هذا وذلك.مثل الكثير.. هل تريين أن تعود مصر مثلما كانت فى النصف الأول من القرن العشرين؟للأسف تلك الفترة يتم الحديث عنها بسطحية شديدة، فالغالبية تقول أن مصر كانت واحة الليبرالية والعلمانية، وهذا الأمر ليس صحيحا، فسعد زغلول نفسه قال عن طه حسين اعتراضا على كتابه فى الشعر الجاهلي «وهل يفهم البقر»، فتاريخ الحركة الفكرية فردى للأسف.آخيرا.. كيف كانت تجربتك مع الإخوان؟مثمرة، فقد ساعدتنى على قراءة أدابيتهم، وخرجت فقط لأنى فكرت، طرقهم فى الاستقطاب كثيرة، بداية من المجتمعات المخملية حتى الريف والقرية، البداية معى كانت من مسجد يوسف الصديق بمنطقة مصر الجديدة، كان وقتها عمري 21 سنة، كنت أتردد على المسجد للصلاة وتحديدا صلاة المغرب وأظل حتى صلاة العشاء، والتجربة كاملة موجودة فى كتابى فى الجزء الأول.

اقرأ أيضا