تُظهر الخطوات التي تتخذها وزارة التربية والتعليم بشأن إلغاء نظام الثانوية العامة التقليدي، ورقة جديدة بالمسيرة التعليمية، تتمثل في رؤية الحكومة لتحسين جودة التعليم وتخفيف الضغوط النفسية على الطلاب وأولياء الأمور.
ويهدف نظام البكالوريا المصرية الجديدة إلى إرساء أساس تعليمي أكثر مرونة، يمكن الطلاب من تحديد مستقبلهم بناء على اهتماماتهم وقدراتهم، مما يتيح لهم فرص تعددة لتحسين درجاتهم، ويقلل من القلق المرتبط بإمتحانات نهاية العام.
ويركز النظام الجديد على إعداد الطلاب لسوق العمل، من خلال برامج تعليمية متكاملة تُعزز مهاراتهم وكفاءاتهم، ويحد من ظاهرة الدروس الخصوصية، والمراكز التعليمية التي كانت تمثل تحديًا كبيرًا في النظام القديم، وكذلك يضمن حصول جميع الطلاب على فرص متساوية، وقد يكون له تأثير إيجابي على تجربة الطلاب في التعليم الثانوي، ويؤسس لثقافة تعليمية جديدة تساهم في تطوير المهارات اللازمة لمتطلبات العصر.
وهناك توافق بين الخبراء والمختصين بمجال التعليم حول ضرورة إعادة النظر في نظام الثانوية العامة الحالي الذي استمر العمل به لأكثر من ٥٠ عامًا، وانطلق الحوار المجتمعي بشأن مناقشة نظام البكالوريا المصرية الجديدة، بمشاركة وزراء تعليم سابقين وحاليين، وكذلك مناقشة أيضا على طاولة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بمشاركة مسئولي ملف التعليم بـ٢٠ حزبًا سياسيًا، ليتم إحالتة بعد ذلك لأعضاء مجلس النواب، لضمان نجاح تطبيق النظام الجديد.
الاعداد الجيد قبل تطبيق النظام الجديد
وأكدت النائبة جيهان البيومي، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، على أهمية التهيئة والإعداد الجيد قبل تطبيق نظام البكالوريا المصرية الجديدة، وضرورة عدم الاستعجال في اتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية، مشددة على أهمية توسيع جلسات الحوار المجتمعي لتشمل جميع المعنيين، وأن يتم عرض النتائج بشفافية ووضوح لتحقيق نتائج إيجابية، مع مراعاة الهوية والثقافة المصرية، منتقدةً تسمية الشهادة باسم "البكالوريا".
وأشارت النائبة جيهان، إلى أهمية تطوير المناهج الدراسية بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، مما يستدعي التركيز على تدريس المهارات الأساسية مثل اللغات والبرمجة، بالإضافة إلى مواد التاريخ والجغرافيا، مؤكدة على أن نظام التحسين الذي يجري مناقشته يمكن أن يؤثر سلبًا على مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب، وقد يعزز من ظاهرة الدروس الخصوصية، مما يزيد العبء المالي والنفسي على الأسر المصرية.
وشددت "بيومي"، على ضرورة العمل علي حل المشاكل التي تواجه المنظومة التعليمية، مثل عجز المعلمين، وعدم تأهيلهم وتدريبهم، وقصور البنية التحتية، وقلة أيام التدريس الفعلية، فضلًا عن محدودية المخصصات المالية للتعليم، والتكلفة المرتفعة لتطبيق النظام المقترح، منوهة على ضرورة التعامل مع خطط التطوير على أنها خطط دولة وليست مشروع وزير، ويجب التمهل لحين بدء عمل المجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار، والمعني بوضع السياسات العليا للتعليم وفقًا للقانون.
وأوضحت عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، أن هناك قلقًا متزايدًا بشأن حالة التعليم في مصر، بسبب عدم الاستقرار والتغير المستمر في السياسات التعليمية مع كل وزير جديد، مضيفة أن التعليم جانب أساسي داخل حياة أي مجتمع، ويحتاج إلى نظام مستقر ورؤية طويلة الأجل، وهذا ما تفتقر إليه العديد من التوجهات السابقة.
واضافت النائبة، أن هناك نماذج ناجحة مثل النموذج الماليزي، الذي استطاع أن يحدث نقلة نوعية في التعليم، ويساهم في تطور المجتمع ككل، حيث تقدم دروسًا قيمة يمكن لمصر الاستفادة منها، للحصول على نظام تعليمي مستقر يعتمد على تبني استراتيجيات فعالة ورؤية موحدة، تهدف إلى تحسين جودة التعليم وتلبية احتياجات الطلاب والمجتمع، كا أنها تسهم في تطوير البلاد على المدى الطويل.
التعليم من ملفات الأمن القومي
ومن جانبها قالت النائبة نجلاء العسيلي عضو بمجلس النواب، إن نظام البكالوريا المصرية الجديدة، يأتي استجابة لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، بضرورة تطوير منظومة التعليم بالكامل، سواء التعليم العام أو الفني، من أجل تأهيل الطلاب لخوض تجربة التعليم الجامعي مسلحين باحتياجاتهم الكاملة من المعلومات التي تدعم دراستهم المستقبلية، كما أنها منح الطلاب فرصًا عديدة لتحسين درجاتهم وتنمية مهاراتهم في جوانب متعددة منها النقد والإبداع، لا سيما أنه يدمج المواد العلمية والأدبية بمواد أخرى فنية.
وتابعت النائبة نجلاء، أن البعض يختذل ملف تطوير التعليم في الثانوية العامة، ويتجاهل إمكانية تطوير النظام منذ المرحلة الإبتدائية بصورة تدريجية وصولاً إلى الثانوية العامة، وأنه متروك لأهواء أي وزير يأتي إلى الوزارة، وهذا ليس من حقه، لأن ملف التعليم من ملفات الأمن القومي، مشددة على ضرورة إعداد مؤتمر عام دولي للتعليم في مصر، والاستفادة من كافة النماذج المقربة من الدولة المصرية، والاستعانة بخبراء التعليم، لكي نخرج بورقة عمل تتحول إلى نظام ومنهج لا يتم تغييره من وقت لآخر.
وأكملت "العسيلي"، أن فكرة تغيير نظام الثانوية العامة مع كل وزير جديد أمر لا يجب أن يستمر، معقبة: «كل وزير يأتي إلى الوزارة يغير نظام الثانوية العامة، مرة يحول الثانوية إلى عام، ومرة أخرى إلى عامين وثلاثة أعوام»، مضيفه أن الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم الأسبق، أدخل بعض التعديلات على الثانوية العامة، وأعاد نظام التحسين، وأدخل التابلت إلى نظام التعليم، وهذا كان أمرًا جيدًا للغاية، ولكن لم تكن البنية التحتية مُجهزة، مثل عدم توافر الإنترنت في بعض المدارس، مؤكدة على ضرورة تجهيز المدارس والمدرسين والبنية التحتية اللازمة لتطبيق أي نظام جديد.
وأردفت عضو مجلس النوب، أن هناك جهودًا كبيرة تبذل لتطوير نظام التعليم، مشيدة بجهود وزير التربية والتعليم، خاصة مع نجاحه في إعادة الطلاب إلى المدارس، وتطوير النظام التعليمي مما يعكس فهمًا لأهمية التنوع في التعليم وتهيئة الطالب لمواجهة تحديات المستقبل، لافتة إلى أن بعض أولياء الأمور يشعرون بالقلق، من أي تغييرات جديدة، رغم أن النظام الجديد يهدف إلى الحد من الدروس الخصوصية، التي وصفتها بأنها «فيروس» مستمر في التعليم.
سوف يختلف تنسيق القبول بالجامعات
وفي سياق متصل قالت الدكتورة هالة عبدالسلام، رئيسة الإدارة المركزية للتعليم العام، إن تعديل نظام الثانوية العامة، يتطلب تغيير القانون الحالي، وعرضه على مجلس النواب، كما أن الدولة أولّت اهتمامًا كبيرًا في السنوات الأخيرة بتطوير الجامعات وبرامج التعليم الجامعي، موضحة أن تنسيق القبول بالجامعات المصرية سوف يختلف، خاصة أن كليات الشعب الأدبية سيكون منخفض جدا، على نقيض السنوات السابقة كان مرتفعا بسبب تقديم طلاب الشعب العلمية والهندسية بها.
واستكملت الدكتورة هالة عبدالسلام، أن عدم دخول اتجاه الطلاب إلى المسار الأدبي وكلياته، سوف يؤدي إلى خفض الحد الأدنى للقبول بهذه الكليات مع ارتفاعه طبعًا في كليات الشعب العلمية، لأن جميع الطلاب هنا سيبقى الاختيار الوحيد لهم هو إما مسار الطب وعلوم الحياة أو مسار الهندسة وعلوم الحاسب، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع الحد الأدنى للقبول بها، اذا لابد أن يكون هناك تنسيق بين وزارتي التعليم العالي، والتربية والتعليم، والمجلس الأعلى للجامعات، لتنسيق قبول الطلاب بالكليات.
ونوهت "عبدالسلام"، لابد قبل تطبيق نظام البكالوريا الجديد عقد اجتماع موسَّع للمجلس الأعلى الوطني للتعليم، وذلك للتنسيق بين المسارات الجديدة التي سيتم تدريسها للطلاب وما بين الكليات، على أن يتم أولا تحديد الكليات التي توجد بكل مسار والكليات المشتركة ما بين المسارات ونسبة توزيعها عليهم، مضيفة أن هناك أكثر من كلية مشتركة وأكثر من مسار يسمح بدخول نفس الكلية، وأن السنة التأسيسية أصبحت تتعارض مع نظام المسارات في نظام البكالوريا الجديد، قائلة: "لو الطلالب دخل السنة التأسيسية هيدرس فيها نفس المواد اللي درسها، يبقى هو كده بيعيد الدراسة مرة تانية، علشان يدخل جامعة خاصة أو أهلية بمجموع أقل 5%".
وذكرت رئيسة الإدارة المركزية للتعليم العام، أن نظام البكالوريا المصرية يعد خطوة مهمة نحو تطوير نظام التعليم في مصر، لكن من الضروري التعامل مع التحديات التي قد تطرأ خلال تنفيذ هذا النظام، موضحة أن النجاح لا يعتمد فقط على المبادرات الجديدة، بل أيضًا على قدرة الحكومة والمؤسسات التعليمية على ضمان إدارة فعّالة لهذه العملية، حيث يلزم التخطيط الجيد والتنفيذ الدقيق لتحقيق الأهداف المرجوة، وأن أي تقصير في ذلك قد يؤدي إلى نتائج عكسية ويزيد من الأعباء الموجودة بالفعل.
وأختتمت الدكتورة هالة عبدالسلام، أن مكتب التنسيق أو دخول الكليات ليس مرتبط بدرجة الطالب، أو الطلبة، إنما مرتبط بترتيب الطالب وسط الطلبة، موضحة أن تنسيق القبول بالجامعات سيتم فتحه بعد امتحانات المرحلة الثانية لطلاب الثانوية العامة "التحسين" حتى يكون لجميع الطلاب فرصة لدخول الكليات، وفيما يتعلق باعتبار الدين مادة تضاف للمجموع في الثانوية العامة، قالة، إن هذا النظام يمكن تطبيقه في المرحلة الابتدائية وليست الثانوية؛ حتى لا تحدث فتنة بين الطلاب، مع جعل درجة النجاح 70% لا تضاف للمجموع حال تطبيقها في الثانوية.