50 سنة على رحيل أم كلثوم.. صوت لا يغيب (بروفايل)

الاثنين 03 فبراير 2025 | 09:40 مساءً
أم كلثوم
أم كلثوم
كتب : محمد أحمد أبو زيد

بخطوات واثقة تقف على خشبة المسرح بفستانها المطرز، تمسك بمنديلها الأحمر المعتاد، وتلقي نظرة سريعة على الجمهور الذي يملأ القاعة، وتبتسم له قبل أن تلتفت إلى فرقتها في إشارة إلى بدء العزف، يضع محمد عبده صالح أصابعه على آلة القانون، بينما يستعد أحمد الحفناوي بعزف أولى نغمات الكمان، ويمسك سيد سالم بالناي الذي لا يفارق يده، ومع انتهاء مقطع "عودت عيني على رؤياك"، تهتز خشبة المسرح تحت قدميها من التصفيق الحار، وقبل أن تستعد لمواصلة الغناء، يأتي صوت الحاج سعيد الطحان من آخر القاعة أحد أشهر معجبيها وقد تملكته السلطنة وهو يصيح بجملة "عظمة على عظمة يا ست"، هي أم كلثوم التي يصادف اليوم ذكرى رحليها الـ50.

من قرية طماي الزهايرة إلى قمة المجد

في 31 ديسمبر 1898 وقف الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي، إمام ومؤذن المسجد الصغير بقرية "طماي الزهايرة" بمحافظة الدقهلية يتلقى التهاني بقدوم ابنته "فاطمة"، لم يكن أحد يتوقع أنها سوف تصبح واحدة من أعظم الأصوات التي عرفها العالم العربي.

نشأت في كنف والدها الذي كان منشداً ورافقت صوته في حفلات القرى، ترتدي ملابس الأولاد لتخفي ملامحها الطفولية، ومع نضج موهبتها، أيقن والدها أن طريق الشهرة يمر عبر القاهرة بنصيحة من الشيخ أبو العلا محمد، وبالفعل بزغ نجمها عندما غنت في حفلة المعراج بقصر محمد عز الدين بك بحلوان عام 1917 مقابل ثلاثة جنيهات، ومن الحفلة بدأ المشوار نحو قمة المجد.

لقاء الكبار

مع انتقالها للقاهرة التقت بكبار الملحنين والشعراء "زكريا أحمد، أحمد رامي، محمد القصبجي" ثم لاحقاً "رياض السنباطي، بليغ حمدي، محمد عبد الوهاب" وفي عام 1928 أحدثت ضجة بأغنيتها "إن كنت أسامح وأنسى الأسية"، ثم واصلت نجاحها في الحفلات الكبرى، حيث دعمتها الراقصة بديعة مصابني، وشاركت في أول أفلامها "أولاد الذوات" عام 1932.

عبر أثير الإذاعة المصرية ارتبط صوتها بجمهورها منذ 1934، عندما وقعت عقد يتيح لها تقديم حفلة أسبوعية مقابل 25 جنيهاً ليصبح الخميس الأول من كل شهر موعد ثابت لعشاق صوتها.

"أروح لمين؟".. ألحان خلدتها

تنوعت ألحانها بين الرومانسية والوطنية، وغنت من ألحان بليغ حمدي: "سيرة الحب"، "فات الميعاد"، "أنساك"، "ألف ليلة وليلة"، ومع رياض السنباطي: "الأطلال"، "يا ليلة العيد"، "إفرح يا قلبي"، و90 لحنًا آخر، ومع محمد عبد الوهاب: "إنت عمري"، "دارت الأيام"، "أمل حياتي"، ومع سيد مكاوي: "يا مسهرني"، ومع كمال الطويل: "والله زمان يا سلاحي"، النشيد الرسمي للجيش المصري.

أما الشاعر أحمد رامي، فقد كتب لها 137 أغنية، كان يعبر فيها عن مشاعره تجاهها، رغم إدراكه أن حبه كان من طرف واحد، لتظل كلماته "جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح" شاهدة على قصة حب لم تكتمل.

صوت أم كلثوم من المحيط إلى الخليج

لم يكن صوتها مجرد وسيلة للطرب بل كان نداء للوطن ففي أعقاب نكسة 1967 قادت حملة تبرعات لدعم الجيش، وسافرت إلى الدول العربية لجمع الأموال للمجهود الحربي، وكرمها الرئيس جمال عبد الناصر ومنحها قلادة النيل، كما حظيت بتكريمات عربية، منها وسام نوط الجمهورية من تونس، وسام الاستحقاق من سوريا، وسام الكفاءة الفكرية من المغرب.

"بعيد عنك".. والنهاية الحزينة

عانت أم كلثوم من فرط نشاط الغدة الدرقية، الذي أثر على مظهرها وسبب جحوظ في عينيها، كانت تخفيه وراء نظارتها السوداء، ورغم التحديات الصحية واصلت الغناء حتى عام 1973، عندما قدمت آخر حفلاتها بأغنية "ليلة حب".

في يناير 1975 اشتد عليها المرض ونُقلت إلى مستشفى المعادي العسكري حيث دخلت في غيبوبة وتوفيت في 3 فبراير 1975 توقف بث الإذاعة المصرية ليعلن وفاتها، وفي صباح الأربعاء 5 فبراير خرج الملايين في جنازة مهيبة ليودعوا "الست" في يوم حزين سيظل محفوراً في ذاكرة مصر والعالم العربي، رحلت "ثومة" لكن صوتها لا يزال يملأ الدنيا، يتردد عبر الأثير، وفي القرى والمدن يأتي قادماً من المقاهي وكاسيت السيارات ليظل باقياً لا يغيب.