في منطقة ريفية تبعد ساعات قليلة عن الحدود الأمريكية مع تكساس، ينتشر مجمع صناعي ضخم تحيط به علامات تجارية صينية بألوان الأحمر والذهبي، الألوان التي تعتبر محظوظة في الثقافة الصينية.
هذا المجمع، الذي يضم عشرات المصانع، هو جزء من ظاهرة "تشاينا تاون" الصناعية التي انتشرت حول مدينة مونتيري في شمال المكسيك، حيث تحولت الأراضي الزراعية إلى مراكز تصنيع تعج بالعمالة المحلية والصينية على حد سواء.
ظاهرة "nearshoring".. لماذا المكسيك؟
تعود هذه الطفرة الصناعية إلى ظاهرة تُعرف باسم "nearshoring"، حيث تقوم الشركات الصينية بنقل إنتاجها إلى المكسيك لتجنب الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية الموجهة إلى السوق الأمريكية بموجب اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (USMCA).
ومع اقتراب تولي دونالد ترامب ولايته الرئاسية الثانية، يهدد بفرض رسوم جمركية جديدة على المكسيك، مما يضع هذه الشركات في موقف صعب.
يقول مات هاريسون، رئيس شركة "كوكا هوم" في أمريكا الشمالية، والتي لديها مصنع للأثاث في مونتيري: "ببساطة، فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على المكسيك سيدمر أعمالنا".
ويضيف: "نحن ننتظر لنرى ما سيحدث عندما يتولى ترامب منصبه، سواء كنا سنستمر في النمو أم لا".
فرص جديدة رغم التحديات
على الرغم من التهديدات، يرى سيزار سانتوس، الذي استقبل استثمارات صينية كبيرة في أراضيه، أن المستقبل يبقى واعدًا. يقول سانتوس: "حتى مع فرض رسوم جمركية بنسبة 25%، تعتقد العديد من الشركات أن المكسيك تظل خيارًا أفضل من التصنيع في الصين".
وقد قام سانتوس بتطوير 1500 فدان من الأراضي التي كانت مزرعة عائلية لتحويلها إلى مجمع صناعي يُعرف باسم "هوفوسان"، والذي يستضيف حاليًا 40 شركة صينية تنتج كل شيء من الإلكترونيات إلى قطع السيارات.
استثمارات صينية متزايدة
شهدت المكسيك تدفقًا كبيرًا للاستثمارات الصينية، حيث ارتفعت من 5.5 مليون دولار في عام 2013 إلى 570 مليون دولار في عام 2022.
وفي النصف الأول من عام 2024، بلغت الاستثمارات الصينية المباشرة في المكسيك 235 مليون دولار، وفقًا للإحصاءات الحكومية. ويؤكد سانتوس أن هذه الاستثمارات ستستمر حتى مع فرض الرسوم الجمركية، حيث إن قرب المكسيك من السوق الأمريكية يجعلها خيارًا استراتيجيًا.
تكامل ثقافي وصناعي
في هذه المجمعات الصناعية، تلتقي الثقافتان المكسيكية والصينية بطرق فريدة.
يقول راميرو غونزاليس، المطور العقاري الذي سافر إلى الصين عدة مرات: "الثقافة الصينية تقدّر الوقت، لذا يتوقعون السرعة في كل شيء. هنا في المكسيك، نحاول تحسين عمليات البناء والتصميم لتكون أسرع".
أما تشانغ جيانكيو، المهندس الصيني الذي يعمل في تدريب العمالة المكسيكية، فيعترف بأنه شعر بالحنين إلى وطنه في البداية، لكنه تأقلم مع الثقافة المكسيكية وتعلم الإسبانية.
يقول تشانغ: "معظم الشركات الصينية لا تزال تنتظر وتراقب الوضع قبل اتخاذ قرارها النهائي".
تحديات مستقبلية
مع اقتراب فرض الرسوم الجمركية، يرى الخبراء أن المكسيك قد تكون في موقف صعب.
يقول هوراسيو كارريون، الأستاذ المساعد في إدارة الأعمال الدولية في معهد مونتيري للتكنولوجيا: "المكسيك في وضع معقد، فهي بحاجة إلى تقييم ما إذا كانت ستستمر في الشراكة مع الولايات المتحدة، أم ستبحث عن شركاء جدد".