على مر العقود، سطرت السينما المصرية اسمها بحروف من ذهب كمنارة للإبداع الفني والثقافي في العالم العربي، وأبهرت العالم بقصصها المؤثرة وشخصياتها الخالدة.
لكن في الآونة الأخيرة، واجهت تراجع ملحوظ، بدا واضحًا من خلال ضعف السيناريوهات وقلة عدد الأفلام ذات الجودة العالية.
تعد السيناريوهات بمثابة الروح الحقيقية للفيلم، فبدونها تتحول الأفلام إلى مجرد مشاهد فارغة من المعنى والقيمة، ولذا، فإن تراجع مستوى السيناريوهات في السينما المصرية يمثل تهديد خطير.
ولكن، تواجه السينما المصرية اليوم تحديات جمة تهدد مسيرتها وتنذر بمستقبل غامض، خاصة مع تفاقم خطر الخصخصة وتراجع الدعم الحكومي لهذه الصناعة العريقة.
وعلى الرغم من أن فيلم "ولاد رزق" حقق أعلى إيرادات في عام 2024، لكن مثالًا صارخًا على ضعف السيناريوهات في السينما المصرية، حيث يعتمد الفيلم بشكل كبير على الكوميديا المبتذلة والحركات المبالغ فيها، دون وجود قصة مقنعة أو رسالة هادفة.
ولم يختلف الأمر كثيرًا في فيلم "النونو" للنجم أحمد حلمي، الذي أثار جدلًا واسعًا قبل بدأ تصويره، وذلك بسبب فكرته فقط التي تدور حول شخص مصري "نصاب" يسافر إلى السعودية، ويقوم بعمل بعض عمليات النصب على المصريين خلال رحلات الحج والعمرة، فقد رأى البعض أن هذه الفكرة مسيئة لمصر.
ماجدة موريس: السينما المصرية تواجه أزمة حقيقية
أكدت الناقدة الفنية ماجدة موريس أن السينما المصرية تواجه أزمة حقيقية تتمثل في نقص الإنتاج وضعف جودة الأفلام وهجرة المواهب، والدولة لا تقدم أي دعم حقيقي للسينما، مما أدى إلى عزوف العديد من المؤلفين عن الاستثمار في هذا المجال.
وقالت موريس في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم" إن السينما المصرية تعاني حاليًا من ارتفاع تكاليف التصوير، وسيطرة الأفلام الكوميدية الخفيفة، مع قلة الأفلام التي تقدم رسائل هادفة وقصص قوية.
أضافت موريس أن صناعة السينما المصرية تواجه قيودًا كبيرة من ناحية الرقابة وصعوبة الحصول على التصاريح، مما يعيق عملية الإنتاج والمبدعين ويحد من تنوع الأفلام.
وشددت على حلول هذه الأزمة التي تكمن في دعم الدولة للسينما، ومراجعة قوانين الرقابة، ودعم المنتجين الجادين، واكتشاف المواهب الجديدة.
حذرت من هجرة المواهب المصرية من الممثلين والمخرجين والسيناريست وغيرهم، بسبب قلة فرص العمل وضعف الإنتاج.
وأشارت موريس إلى أن هجرة المواهب المصرية تشكل خطراً كبيراً على مستقبل السينما المصرية، حيث ستفقد هذه الصناعة خبرتها ومهاراتها الإبداعية
السينما قديمًا
وأشارت موريس إلى أن السينما المصرية كانت في الماضي تتمتع بعصر ذهبي، حيث كان يوجد مخرجون عظماء مثل رمسيس نجيب يهتمون بتقديم قصص مهمة وقوية، حتى لو لم تكن بهدف أرباحًا سريعة.
وأكملت أن الدولة المصرية لعبت دور هام في دعم السينما من خلال مؤسسة السينما المصرية التي أنتجت العديد من الأفلام المميزة المقتبسة من روايات كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس.
وتابعت أن قلة اهتمام المنتجين بإنتاج أفلام مقتبسة من روايات كبار الكتاب، على عكس ما كان يحدث في الماضي.
أهمية الرسالة
شددت الناقدة ماجدة موريس على أهمية وجود رسالة هادفة في الفيلم تقدم للمشاهد محتوى هادف.
أكدت موريس على ضرورة أن يقدم الفيلم رسالته بوضوح للمشاهد من خلال القصة والأحداث التي تدور فيها، وشخصيات الفيلم وما يتعرضون له
اعتبرت فيلم "أهل الكهف" من الأفلام القليلة التي تقدم رسالة قوية ومهم، موضحة أن الأرباح ليست هي العامل الوحيد لقياس نجاح الفيلم، فالدعاية الجيدة تساهم بشكل كبير في جذب الجمهور.
واختتمت إلى أن المملكة العربية السعودية تركز على إنتاج نوعية معينة من الأفلام، مع مراعاة وجود نجوم كبار في هذه الأفلام.
أحمد سعد الدين: السينما المصرية حاليًا تعتمد على "الفهلوة"
أكد الناقد الفني أحمد سعد الدين أن المستوى البصري لفيلم "ولاد رزق 3" متميز للغاية، ووضح أن ذلك يشمل مشاهد المطاردات، وتصوير شوارع الرياض، والسيارات، والمونتاج، والإخراج، والتصوير بشكل عام.
وأضاف أحمد سعد الدين في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم" أن هذه العناصر هي التي تميز الفيلم، لكن لفت إلى أن السيناريو لم يقدم جديدًا، ولم يختلف عن الجزئين الأول والثاني.
وأشار إلى أن مشاهد الأكشن في الفيلم مميزة من الناحية البصرية، لكن اعتبرها غربية وليست عربية، موضحًا شعوره وكأن السينما الأمريكية هي من نفذت هذه المشاهد، وذكر أن المخرج طارق العريان بذل مجهودًا كبيرًا، لكن الأكشن ظل غربيًا.
وتطرق إلى الفرق بين الأكشن في الماضي والحاضر، فأوضح أن الأكشن في السينما المصرية كان أفضل في الماضي، مرجعًا ذلك إلى اعتمادها على الخدع السينمائية التي كان ينفذها فنانون متخصصون، مثل اليونانيين والمصريين.
وذكر أن بعض المخرجين، مثل نيازي مصطفى، برعوا في هذا المجال، مشيرًا إلى أفلام مثل "عنترة ابن شداد".
وأضاف أن السينما المصرية اعتمدت لاحقًا على "الفهلوة" في تنفيذ مشاهد الأكشن، وهو ما يقلل من جودتها.
وتناول سعد الدين فيلم "النونو" للفنان أحمد حلمي، حيث ذكر أن الفيلم تعرض لانتقادات قوية بسبب أحداثه التي تدور حول قيام حلمي بشخصية نصاب يسرق الحجاج.
وأشار إلى أن بعض المنتقدين اعتبروا الفيلم مسيئ لمصر، مؤكدًا أنه مستغرب من الهجوم على حلمي قبل عرض الفيلم، موضحًا أن من ينتقد أو يهاجم أي عمل يجب أن يشاهده أولًا.
واختتم أن حلمي فنان كبير موهوب، وأنه من الممكن أن يقدم عمل رائع.