المرحلة الانتقالية في سوريا.. هل يبني الشرع الدولة أم يعزز تمكينه؟ (خاص)

المرحلة الانتقالية في سوريا.. هل يبني الشرع الدولة أم يعزز تمكينه؟ (خاص)

الاربعاء 08 يناير 2025 | 02:23 مساءً
أحمد الشرع الجولاني
أحمد الشرع الجولاني
كتب : محمد عبدالحليم:

أثارت تصريحات أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، قائد الإدارة السورية الجديدة، التي أشار فيها إلى حاجة سوريا لأربع سنوات قبل إجراء انتخابات رئاسية، جدلاً واسعًا حول مستقبل الدولة السورية.

ترافق هذه التصريحات مع أسئلة عدة: هل تسعى الهيئة إلى إقامة نظام ديني متشدد على غرار "الخلافة الإسلامية"، بدلاً من دولة دستورية حديثة؟ وما طبيعة التفاهمات المحتملة مع القوى الإقليمية والدولية، مثل تركيا وإسرائيل، التي قد تكون معنية بتصفية الحسابات مع مكونات سورية رئيسية كالأكراد والعلويين والدروز؟

هذه المدة الزمنية المقترحة، البالغة أربع سنوات، تثير مخاوف من استخدامها كوسيلة لإعادة ترتيب الأوضاع بما يضمن بقاء الهيئة في السلطة، وسط غياب أي التزامات قانونية واضحة أو توجه حقيقي نحو المصالحة الوطنية.. فكيف يرى الخبراء تصريحات الشرع؟

سنوات التمكين

يقول أسامة حمدي، الباحث في الشأن الإيراني وقضايا الشرق الأوسط، إن المرحلة الانتقالية التي أشار إليها أحمد الشرع، والتي تستغرق أربع سنوات لإعداد دستور جديد وانتخابات رئاسية، ليست عملية سهلة على الإطلاق.

ويضيف في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم": "عدد السكان السوريين حتى الآن غير معلوم بسبب التهجير الكبير الذي طالهم، وغالبيتهم موزعون في مختلف دول العالم. عودة هؤلاء إلى بلادهم تحتاج إلى استخراج بطاقات هوية، وتسجيلهم على منظومة الانتخابات، وإجراء إحصاء دقيق يضمن عدم التلاعب في النتائج".

ويرى حمدي أن المشكلة الأعمق تكمن في الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا. ويقول: "إعادة السوريين من المهجر تتطلب استقرارًا اقتصاديًا، وهو أمر غير موجود. خزائن الدولة خاوية، لا احتياطي نقدي أجنبي، العملة منهارة، والاقتصاد في حالة انهيار شامل. كيف يمكن للسكان العودة والعيش في ظل منازل مهدمة وخدمات أساسية غائبة كالصحة، التعليم، والغذاء؟".

حول الحديث عن تصفية الحسابات السياسية، يقول حمدي: "السنوات الأربع التي يتحدث عنها الشرع تهدف إلى تمكين هيئة تحرير الشام من السيطرة على مفاصل الدولة، وهو ما بدا واضحًا في تشكيل الحكومة الجديدة، التي جاءت ممثلة لطيف واحد فقط، وهم السنة، مع غياب تام للعلويين، الأكراد، والدروز، وهو ما سيؤدي بلا شك إلى صدام حتمي بين هيئة تحرير الشام والأكراد".

ويشير حمدي إلى دور تركيا في هذا الصراع، قائلاً: "تركيا، التي تعتبر الأكراد تهديدًا لأمنها القومي، هي المحرك الأساسي للشرع، الصدام بين الفصائل المدعومة من تركيا وقوات قسد الكردية قد يتوسع، خاصة أن تركيا تصر على أن الأكراد لن يكونوا جزءًا من الدولة السورية الجديدة".

ويضيف حمدي حول نوايا أحمد الشرع: "ما يريده الشرع في الأساس هو تثبيت موقعه في السلطة، أما إعداد دستور وانتخابات شكلية ليس سوى خطوة لإقصاء خصومه السياسيين، وعلى رأسهم الأكراد، وربما العلويين لاحقًا إذا ظهر منهم معارضة، والالتزامات القانونية أو الدستورية لا تشغله كثيرًا؛ فهو قادم من خلفية إرهابية نشأت في القاعدة، مرورًا بداعش، ثم جبهة النصرة، وأخيرًا هيئة تحرير الشام، التي تصنفها دول عديدة كمنظمة إرهابية".

أما عن علاقة الشرع بإسرائيل، فيوضح حمدي: "أحمد الشرع ليس لديه أي خصومة مع إسرائيل. بالعكس، تحركاته تصب في صالحها، وقد أرسل لها رسائل طمأنة عديدة. لن يسعى إلى مواجهتها بأي حال".

وبالنسبة لتشكيل جيش سوري جديد، يشير حمدي إلى علامات استفهام عديدة، قائلاً: "تشكيل جيش من فصائل ومليشيات لها ولاءات متعددة لدول إقليمية وأجنبية يثير الشكوك، ويبقى السؤال: كيف يمكن لمثل هذا الجيش أن يكون وطنيًا ويحفظ وحدة وسيادة سوريا؟".

فرص الشرع غير مضمونة

يقول سامح عيد، الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي، إن فترة الأربع سنوات التي حددها أحمد الشرع للمرحلة الانتقالية طويلة بشكل ملحوظ، ما يعكس عدم ثقته في إجراء انتخابات على المدى القريب.

ويوضح عيد في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم": "الشرع يدرك أن فرصه في الفوز إذا أجريت الانتخابات الآن ليست مضمونة، خاصة مع احتمال ظهور مرشحين أقوى منه، مثل الفنان جمال سليمان، أو آخرين مدعومين بأموال من الخارج، مما قد يؤدي إلى خسارته أمامهم".

ويشير عيد إلى أن تأجيل الانتخابات قد يكون استراتيجية للشرع لضمان تحسين فرصه المستقبلية، قائلاً: "الشرع يحتاج إلى تحقيق إنجازات ملموسة، مثل إعادة الإعمار أو تحسين الوضع الاقتصادي، ليعزز موقفه أمام الناخبين".

ويضيف عيد أن التيارات الإسلامية، بشكل عام، لا تميل لتسليم السلطة، ولذلك منح الشرع نفسه فترة كافية لضمان السيطرة الكاملة، سواء من خلال تحقيق مكاسب سياسية أو القضاء على أي تأثير للدولة العميقة.

حول قضية الأكراد، يؤكد عيد أن الشرع يسير تحت وصاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن الطبيعي أن يستجيب الشرع لتوجيهات أردوغان فيما يخص الأكراد. 

اقرأ أيضا